الاثنين، 10 ديسمبر 2012

هل هنّ ناقصات عقل ودين ؟


هل هنّ ناقصات عقل ودين ؟
د. بدر عبد الحميد هميسه

يحاول أعداء الإسلام ومن لف لفهم قديما وحديثا الطعن على الإسلام من خلال نصوص يحاولون طيّ أعناقها وليّ زمامها , وإفراغها من محتواها , بل ويتعاملون مع هذه النصوص بمنطق ( ولا تقربوا الصلاة ) ولا يكملون الآية حتى يستقيم المعنى وتتضح الصورة .
وقد يسلك المسلك ذاته بعض أبناء جلدتنا ممن لا فقه لديهم , ولا علم شرعي يحرسهم ويهديهم .
ومن ذلك الطعن ما ينسبونه خطأ وجهلا من أن الإسلام قد أهان المرأة وحقر من شأنها, مستشهدين في ذلك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم \" النساء ناقصات عقل ودين \" فيقفون عند هذه الجملة من الحديث ولا يكملون الحديث إلى نهايته, ولو أنهم أكملوه لاتضح لهم المعنى ولاستقام لهم الفهم .
والحديث روي من أكثر من طريق وله طريقان مشهوران :
الطريق الأول: عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ. قال: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِى أَضْحًى , أَوْ فِطْرٍ , إِلَىَ الْمُصَلَّى , فصلى ثُمَّ انْصَرَفَ , فقام فَوَعَظَ النَّاسَ وَأَمَرَهُمْ بِالصَّدَقَةِ. فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ , تَصَدَّقُوا , ثم انصرف فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ. فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ , تَصَدَّقْنَ ، فَإِنِّى أراَُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ. فَقُلْنَ : وَبِمَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ , وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ. فقلن له : وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله ؟ قال : أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل ؟ قلن بلى. قال : فذاك نقصان عقلها , أوليست إذا حاضت المرأة لم تصل ولم تصم ؟ قلن بلى. قال : فذاك من نقصان دينها , ثُمَّ انْصَرَفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم , فَلَمَّا صَارَ إِلَى مَنْزِلِهِ , جَاءَتْ زَيْنَبُ امْرَأَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ تَسْتَأْذِنُ عَلَيْهِ. فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللهِ , هَذِهِ زَيْنَبُ تستأذن عليك. فَقَالَ : أَىُّ الزَّيَانِبِ ؟ فَقِيلَ : امْرَأَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ. قَال : نَعَمِ , ائْذَنُوا لَهَا , فَأُذِنَ لَهَا. فقَالَتْ : يَا نَبِىَّ اللَّهِ , إِنَّكَ أَمَرْتَنا الْيَوْمَ بِالصَّدَقَةِ ، وَكَانَ عِنْدِى حُلِيٌ فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ , فَزَعَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ , أَنَّهُ وَوَلَدَهُ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَلَيْهِمْ. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : صَدَقَ , زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ بِهِ عَلَيْهِمْ . أخرجه البُخَارِي 1/83(304) و2/149(1462) و3/45(1951) و3/226(2658. و\"مسلم\" 1/61(155) 1430 و2045 و2462 .
الطريق الثاني : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ وَأَكْثِرْنَ الاِسْتِغْفَارَ فَإِنِّى رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ جَزْلَةٌ وَمَا لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ . قَالَ تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ وَمَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ لِذِى لُبٍّ مِنْكُنَّ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ وَالدِّينِ قَالَ أَمَّا نُقْصَانُ الْعَقْلِ فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ تَعْدِلُ شَهَادَةَ رَجُلٍ فَهَذَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ وَتَمْكُثُ اللَّيَالِىَ مَا تُصَلِّى وَتُفْطِرُ فِى رَمَضَانَ فَهَذَا نُقْصَانُ الدِّينِ. أخرجه أحمد 2/66(5343) و\"مسلم\" 1/61(153) و\"أبو داود\" 4679 و(ابن ماجة) 4003 .
والطريقان يوضحان مفهوم قول النبي صلى الله عليه وسلم \" النساء ناقصات عقل ودين \" وقد فصل شراح الحديث في ذلك , قال النووي \" قَالَ الْإِمَام أَبُو عَبْد اللَّه الْمَازِرِيُّ رَحِمَهُ اللَّه :قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَمَّا نُقْصَان الْعَقْل فَشَهَادَة اِمْرَأَتَيْنِ تَعْدِل شَهَادَة رَجُل ) تَنْبِيهٌ مِنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا وَرَاءَهُ وَهُوَ مَا نَبَّهَ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ فِي كِتَابه بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى } أَيْ أَنَّهُنَّ قَلِيلَات الضَّبْط قَالَ : وَقَدْ اِخْتَلَفَ النَّاس فِي الْعَقْل مَا هُوَ ؟ فَقِيلَ : هُوَ الْعِلْم ، وَقِيلَ : بَعْض الْعُلُوم الضَّرُورِيَّة ، وَقِيلَ : قُوَّةٌ يُمَيَّز بِهَا بَيْن حَقَائِق الْمَعْلُومَات . هَذَا كَلَامه .
قُلْت : وَالِاخْتِلَاف فِي حَقِيقَة الْعَقْل وَأَقْسَامه كَثِيرٌ مَعْرُوف لَا حَاجَة هُنَا إِلَى الْإِطَالَة بِهِ ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَحَلِّهِ . فَقَالَ أَصْحَابنَا الْمُتَكَلِّمُونَ : هُوَ فِي الْقَلْب ، وَقَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : هُوَ فِي الرَّأْس . وَاَللَّه أَعْلَم .
وَأَمَّا وَصْفُهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النِّسَاءَ بِنُقْصَانِ الدِّين لِتَرْكِهِنَّ الصَّلَاة وَالصَّوْم فِي زَمَن الْحَيْض فَقَدْ يُسْتَشْكَل مَعْنَاهُ وَلَيْسَ بِمُشْكِلٍ ، بَلْ هُوَ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الدِّين وَالْإِيمَان وَالْإِسْلَام مُشْتَرِكَة فِي مَعْنَى وَاحِدٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي مَوَاضِع ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَيْضًا فِي مَوَاضِع أَنَّ الطَّاعَات تُسَمَّى إِيمَانًا وَدِينًا ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا عَلِمْنَا أَنَّ مَنْ كَثُرَتْ عِبَادَته زَادَ إِيمَانه وَدِينه ، وَمَنْ نَقَصَتْ عِبَادَته نَقَصَ دِينه . ثُمَّ نَقْصُ الدِّين قَدْ يَكُون عَلَى وَجْه يَأْثَم بِهِ كَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ أَوْ الصَّوْم أَوْ غَيْرهمَا مِنْ الْعِبَادَات الْوَاجِبَة عَلَيْهِ بِلَا عُذْرٍ ، وَقَدْ يَكُون عَلَى وَجْه لَا إِثْم فِيهِ كَمَنْ تَرَك الْجُمُعَة أَوْ الْغَزْو أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِمَّا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِلَا عُذْرٍ ، وَقَدْ يَكُون عَلَى وَجْهٍ هُوَ مُكَلَّف بِهِ كَتَرْكِ الْحَائِضِ الصَّلَاةَ وَالصَّوْم . فَإِنْ قِيلَ : فَإِنْ كَانَتْ مَعْذُورَةً فَهَلْ تُثَاب عَلَى الصَّ لَاة فِي زَمَن الْحَيْض وَإِنْ كَانَتْ لَا تَقْضِيهَا كَمَا يُثَاب الْمَرِيضُ الْمُسَافِر وَيُكْتَب لَهُ فِي مَرَضه وَسَفَره مِثْل نَوَافِل الصَّلَوَات الَّتِي كَانَ يَفْعَلهَا فِي صِحَّته وَحَضَرِهِ ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ ظَاهِرَ هَذَا الْحَدِيث أَنَّهَا لَا تُثَاب . وَالْفَرْق أَنَّ الْمَرِيض وَالْمُسَافِر كَانَ يَفْعَلهَا بِنِيَّةِ الدَّوَام عَلَيْهَا مَعَ أَهْلِيَّتِهِ لَهَا . وَالْحَائِض لَيْسَتْ كَذَلِكَ بَلْ نِيَّتُهَا تَرْكُ الصَّلَاةِ فِي زَمَن الْحَيْض ، بَلْ يَحْرُم عَلَيْهَا نِيَّة الصَّلَاة فِي زَمَن الْحَيْض . فَنَظِيرهَا مُسَافِرٌ أَوْ مَرِيض كَانَ يُصَلِّي النَّافِلَة فِي وَقْتٍ وَيَتْرُك فِي وَقْتٍ غَيْر نَاوٍ الدَّوَام عَلَيْهَا فَهَذَا لَا يُكْتَب لَهُ فِي سَفَره وَمَرَضه فِي الزَّمَن الَّذِي لَمْ يَكُنْ يَنْتَفِل فِيهِ . وَاَللَّه أَعْلَم .شرح صحيح مسلم 1/176.
فالحديث لا يعدوا كونه توصيفا لطبيعة المرأة فهو يمدحها برقة العاطفة وفيضان المشاعر , فتسبق العاطفة عندها المشاكلات العقلية المنطقية .
فحقيقة المرأة بحكم فطرتها التي تستلزم مكوثها في البيت أكثر من قرينها الرجل تقلص من أفق تعاملها و ربطها لحقائق الواقع.
الرجل الذي تقع عليه مسؤولية الإعالة من خارج البيت يتعامل مع بيئة أوسع من تلك المتمثلة في بيت الزوجية أين يتم الإنجاب و الرضاعة التي لا يستطيع الرجل القيام بها بحكم فطرته.

فالاحتمالات الواردة في فهم قول رسول الله –صلى الله عليه وسلم- \"نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ\"، وهذه الاحتمالات هي:

أ- نقص فطري عام في مستوى الذكاء والاستيعاب والفهم، وفي جميع العمليات العقلية المعروفة.. وهذا الاحتمال مستبعد بالاستقراء والملاحظة والتاريخ العريض الذي يشهد لهن بعكس ذلك.
ب- نقص فطري في بعض القدرات العقلية الخاصة مثل الفهم
العميق، وقوة التحليل، والإدراك الشامل، وهذا أيضًا مستبعد لنفس الأسباب.
ج- نقص عارض مؤقّت نتيجة للتغيّرات الطبيعية في حالة الحيض أو الحمل أو غير ذلك من عوارض النساء، أو نقص عارض طويل المدى، وهو يطرأ على المرأة نتيجة ظروف الحياة العامة كالانشغال الدائم بالحمل والولادة والرضاعة وتربية الأولاد ومراعاة الزوج ومراعاة البيت، مما قد يؤدّي في بعض الأحيان إلى نقصان الوعي التام بالحياة الخارجية، وضعف الإدراك الشامل للأمور العامة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الداخلية والخارجية.

وقدد سئل فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله عن معنى أن النساء ناقصات عقل ودين ...؟
فكانت هذه إجابة فضيلته:
ما هو العقل أولاً ؟ .
العقل من العقال ، بمعنى أن تمسك الشيء وتربطه ، فلا تعمل كل ما تريد .
فالعقل يعني أن تمنع نوازعك من الانفلات ، ولا تعمل إلا المطلوب فقط .
إذن فالعقل جاء لعرض الآراء ، واختيار الرأي الأفضل . وآفة اختيار الآراء الهوى والعاطفة ، والمرأة تتميز بالعاطفة ، لأنها معرضة لحمل الجنين ، واحتضان الوليد ، الذي لا يستطيع أن يعبر عن حاجته ، فالصفة والملكة الغالبة في المرأة هي العاطفة ، وهذا يفسد الرأي .
ولأن عاطفة المرأة أقوى ، فإنها تحكم على الأشياء متأثرة بعاطفتها الطبيعية ، وهذا أمر مطلوب لمهمة المرأة.
إذن فالعقل هو الذي يحكم الهوى والعاطفة ، وبذلك فالنساء ناقصات عقل ، لأن عاطفتهن أزيد ، فنحن نجد الأب عندما يقسو على الولد ليحمله على منهج تربوي فإن الأم تهرع لتمنعه بحكم طبيعتها . والإنسان يحتاج إلى الحنان والعاطفة من الأم ، وإلى العقل من الأب .
وأكبر دليل على عاطفة الأم تحملها لمتاعب الحمل والولادة والسهر على رعاية طفلها ، ولا يمكن لرجل أن يتحمل ما تتحمله الأم ، ونحن جميعاً نشهد بذلك .
أما ناقصات دين فمعنى ذلك أنها تعفى من أشياء لا يعفى منها الرجل أبداً .
فالرجل لايعفى من الصلاة ، وهي تعفى منها في فترات شهرية . . والرجل لا يعفى من الصيام بينما هي تعفى كذلك عدة أيام في الشهر . . والرجل لا يعفى من الجهاد والجماعة وصلاة الجمعة . . وبذلك فإن مطلوبات المرأة الدينية أقل من المطلوب من الرجل.
وهذا تقدير من الله سبحانه وتعالى لمهمتها وطبيعتها . وليس لنقص فيها ، ولذلك حكم الله سبحانه وتعالى فقال : { للرجال نصيب مما كسبوا ، وللنساء نصيب مما اكتسبن } سورة النساء : 32.
فلا تقول : إن المرأة غير صائمة لعذر شرعي فليس ذلك ذماً فيها ، لأن المشرع هو الذي طلب عدم صيامها هنا ، كذلك أعفاها من الصلاة في تلك الفترة ، إذن فهذا ليس نقصاً في المرأة ولا ذماً ، ولكنه وصف لطبيعتها.
فطبيعة المرأة التسرع في الحكم على الأشياء وكثرة النسيان .
روى أن المعتمد بن عباد وكان ملكا من ملوك الطوائف اشترى جارية تسمى الرميكية وهي أمّ أولاده والملقّبة باعتماد، روي أنّها رأت ذات يوم بأشبيلية نساء البادية يبعن اللبن في القرب وهنّ رافعات عن سوقهنّ في الطين، فقالت له: أشتهي أن أفعل أنا وجواريّ مثل هؤلاء النساء، فأمر المعتمد بالعنبر والمسك والكافور وماء الورد، وصيّر الجميع طيناً في القصر، وجعل لها قرباً وحبالاً من إبريسم، وخرجت هي وجواريها تخوض في ذلك الطين، فيقال: إنّه لمّا خلع وكانت تتكلّم معه مرّة فجرى بينهما ما يجري بين الزوجين، فقالت له: والله ما رأيت منك خيراً، فقال لها: ولا يوم الطين؟ تذكيراً لها بهذا اليوم الذي أباد فيه من الأموال مالا يعلمه إلاّ الله تعالى، فاستحيت وسكتت .أحمد بن المقري التلمساني : نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب 1/440).
من هنا فقد حث الإسلام الرجل على حسن معاشرة الزوجة وصحبتها , وفهم طبيعتها , وأن لا يستمع لما يتناقله بعض الناس من صور سلبية عن المرأة .
 
منقول للفائدة 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق