الأحد، 20 مارس 2011

وادي علوجة ,, ريمة


نبذة عن القات

نبذة عن القات :-
يعـتبر القـات ( Catha Edulis) نباتاً من فصيلة المنشطات الطبيعية ، ويعد من أقدم النباتات المخدرة في العالم وإن كان أقل شهـرة مـن غيره ، نظراً لأنه لا يعرف في البلاد المتقدمة , ويقتصر استعماله على مناطق معينة من بلاد العام الثالث.
وينتشر القات على نطاق واسع في كل من الصومال وجيبوتي وأرتيريا واثيوبيا وكينيا وتنزانيا وأوغندا وجنوب أفريقيا واليمن ، كما وجد القات في أفغانستان وتركستان.
و تزرع شجرة القات عادةً على المرتفعات الجبلية والهضاب الرطبة البالغ ارتفاعها (800م) من سطح البحر ويصل طول الشجرة ما بين 2- 4 م نظراً لتقليمها المستمر ، وقد يصل طول الشجرة إذا تركت بدون تقليم إلى 25متراً ، وتعتبر شجرة القات من النباتات المعمرة دائمة الخضرة .
وأوراق القـات هي الجـزء المستهلك من النبات ، وطول الورقة عادة  من 0.5 -12.5 سم ،  وعرضها من  1 – 5 سم ، وهي ذات عنق طوله 3-10 ملم ، والأوراق ذات القمة الحادة التي تحمل اللون البني المحمر هي الأكثر تفضيلاً للمستهلك، ويعرف القات ويستعمل أساساً كمنبه ، فكلما كانت الأوراق غضة وعصيرية زاد الأثر المنبه لها.

لمحة تاريخية عن القات:-
يُعتقد بأن القات كان معروفاً منذ العصور القديمة في شرق أفريقيا ، وقد ذكر المؤلف الإغريقي هومر بأن الإسكندر الأكبر قد أمر جيشه باستعمال القات للعلاج من الوباء الذي اجتاح الجيش ، كما أن المؤلف نجيب الدين السمرقندي ذكر في كتاب الأقربازين الذي طبع عام 1237م  وجوده في اليمن واستعماله كعلاج للكآبة والحزن (والكتاب منقول عن المخطوطة رقم 134 الموجودة بالمكتبة الوطنية في باريس) وتحدث المقريزي (1364 – 1442م) عن وجود القات في بلاد الصومال.
كما ذكر المؤلف روشيه دي هيريكورت أنه تم إدخال القات إلى اليمن من أثيوبيا في عام 1429م بينما تحدث شهاب الدين أحمد بن عبد القادر وهو من منطقة جازان بالمملكة العربية السعودية من مواليد (1580م) في كتابه فتوح الحبشة عن استعمال القات في اليمن وأنه زرع على يد على بن عمر الشادلي عام 1424م،كما تشير بعض المصادر إلى أن القات دخل اليمن قبل الإسلام عندما غزى الأحباش اليمن.
وأول عالم نباتي أعطى وصفا للقات هو العالم السويدي بي فورسكال الذي دعاه  كاتاأديوليس ، وقد تم نشر وصفه بعد وفاته في الفلورا العربية المصرية وقد سمي النبات كاتا أديوليس فورسكال تخليداً لذكرى هذا العالم.
طريقة استخدام القات:
بعد قطف القات مباشرة يتم تحضير الفروع والسيقان الطرية على شكل حزم , وتغلف بإحكام بأوراق الموز وذلك من أجل حفظها بشكل طازج , وهذا الإجراء يعتبر مهماً وأساسياً حيث أن الأوراق القديمة والجافة تفقد جزءاً عظيماً من تأثيراتها المحتملة , بسبب كون بعض المركبات الرئيسية تخضع لتفاعل التفكك .
وفي بعض البلدان التي تنتشر فيها ظاهرة تعاطي القات تصبح هذه العادة نوعاً من العـرف الاجتماعي حيث تقام مجالس تعاطي القات في الحفلات , كما يجتمع الأصدقاء في هذه المجالس بعد العمل ، وتكون مثل هذه الحفلات للرجال فقط وهذا الأمر الأكثر شيوعاً , إلا أنه يصادف بعض الأحيان أن يشاهد حفلات مختلطة بزوجين أو أكثر من الرجال والنساء يجلسون مع بعضهم في مجالس تعاطي القات ( وهذا فيه ما فيه من محذورات شرعية ) أو يكون للنساء جلسة منفصلة في نفس الوقت .
وكمية القات المستعمل مختلفة عادة , وتعتمد على المستهلك , ومدة المناسبة التي يستعمل من أجلها ومعدل الكمية التي يستعملها الشخص الواحد تقريباً حزمة من القات ، تمضغ منها فقط الأوراق الطرية والسيقان السهلة المضغ, وهذا يقدر بأكثر من (50 غ ) في المادة الطازجة , تبلع العصارة مع اللعاب وأما البقايا فلا تبصق حالاً إنما تخزن (تجمع) في جانب أحد الخدين , ويبقى كذلك محفوظاً طوال مدة المضغ , ويسبب هذا التراكم بلا شك بروزاً مميزاً في خدود بعض المستهلكين, ويتم تناول كميات كبيرة
من السوائل ( شاي ، أو أشربة أخرى ) خلال مضغ القات , فالحاجة إلى السوائل تعود إلى أن بعض العناصر الفعالة في القات تحدث جفافاً في الفم .

الاهتمام الدولي والدراسات العلمية:
قبيل الحرب العالمية الثانية كانت كميات القات المستهلكة محدودة جداً. إلا أن عادة مضغ القات تطورت على أثر تطور المواصلات والحياة الحرة والمدنية , مما جعل مسألة مضغ القات وعواقبه غير المستحبة تتم مناقشتها عدة مرات في ندوات ومؤتمرات دولية ، فقد أدرجت منظمة الصحة العالمية القات عام 1973 ضمن قائمة المواد المخدرة ، بعد ما أثبتت أبحاث المنظمة التي استمرت 6 سنوات احتواء نبتة القات على مادتي نوربسيدو فيديرين والكاثين  المشابهتين في تأثيرهما للأمفيتامينات
دراسة القات كيميائياً:
أظهرت الدراسات الكيميائية أن أوراق القـات تحتوي عـلى عـدد كبير مـن المركبات مثل القلويدات - جلوكوزيدات  التربينات، العفصيات ، والمركبات الفلافونية وغيرها من المركبات .
هذا وقد تم عزل وتعيين أكثر من أربعين قلويداً في هذا النبات , والعديد منها ينتمي إلى مجموعة الكاثيديولين cathedulins ذات الوزن الجزئي المنخفض الذي يتراوح ما بين ( 600-1200) وأهم هذه المركبات هو المسمى الفينيل الكيل أمين phenylalkyl amines
أظهرت الدراسات الكيميائية أن أوراق القات تحتوي على عدد كبير من المركبات مثل القلويدات - جلوكوزيدات  التربينات، العفصيات ، والمركبات الفلافونية وغيرها من المركبات .
هذا وقد تم عزل وتعيين أكثر من أربعين قلويداً في هذا النبات , والعديد منها ينتمي إلى مجموعة الكاثيديولين cathedulins ذات الوزن الجزئي المنخفض الذي يتراوح ما بين ( 600-1200) وأهم هذه المركبات هو المسمى الفينيل الكيل أمين phenylalkyl amines.
وكذلك مركب القاتين cathine ,  الذي كان يعتبر حتى وقت متأخر هو العنصر الفعال الرئيسى الوحيد في القات.
إن المركب فينيل الكيل أمين phenylaIkyIomines الجديد لم يسبق الإشارة إلى وجوده بكميات وفيرة في الطبيعة , وقد عرف هذا المركب باسم القاتينون cathinone وهو أكثر قوة من القاتين cathine.
ويعتبر النوع الأحمر من القات هو النوع المرغوب من قبل المستعملين له لكونه يحتوي على مركب القاتينون cathinone بكميات كبيرة تفوق النوع الأبيض ، كما يجب أن يشار إلى أن أوراق القات الطازج لها قيمة مرتفعة , نظراً لاحتوائه على هذا المركب بكميات أكبر بالمقارنة مع المادة الجافة والقديمة، وبالإضافة إلى ذلك فإن الدراسات بينت وجود بعض المركبات الفلافونية التي تشمل كامفيرول kaempferol وكوارستينAuercetin ميرستين Myricetin في الأوراق الطازجة في القات.
والدراسة الأخيرة التي قام بها جلرت Gellert ومجموعته بينت وجود دي هيدروميرستين Dihydromyricetin  ومركب rhq,noside في الأوراق الخضراء ، ويمكن أن تكون هذه المركبات الفلافونية مسئولة عن بعض الخواص الدوائية للقات.



التأثيرات الدوائية:
جرت معظم الدراسة على مركبين من المركبات الفعالة في القات لمعرفة تأثيرهما الدوائي وهما القاتين cathineوالقاتينون cathinone  ويعزى التأثير المنبه المشابه للأمفيتامين بصورة مبدئية إلى القاتين ومع ذلك فإن هذا القول كان موضع نقاش على أثر تقارير علمية أوضحت أن الأوراق الطازجة تحتوي على مركب أكثر فعالية من القاتين لم يكن معروفاً عندها.
وقد بينت الدراسات الأخيرة أن القاتينون cathhinone هو المركب الرئيسي الفعال في الأوراق الطازجة والذي سرعان ما يتحول إلى القاتين cathine ، لأقل تأثير , ومن هذا المنطلق من المفيد مراعاة الملاحظات التي أبداها may ومجموعته حيث أوضحوا أن خميرة دوبامين- ب- هيدروكيلبز تساعد في تحويل القاتين إلى قاتينونcathi-none بإدخال المجموعة
الاسيتونية يتحول القاتين إلى قاتينون  وقد تم إنجاز ذلك فعلاً في المختبر ، وقد تكون هذه الخميرة هي المسئولة عن تحويل القاتين إلى قاتينون في الجسم , وقد يفسر هذا فعاليته الدوائية المماثلة للقاتينون , ويمكن أن يفسر التأخير في بدء التأثير ومدة التأثير الطويلة للقاتين بالمقارنة مع القاتينون الذي يملك قوة في التأثير أكثر بعشر مرات تقريبا عن القاتين والذي له تأثير فورى ومدة أقصر، وتبين أن كلا من القاتين والقاتينون يمتلك خواص مشابهة للأمفيتامين على السلوك , ودرجة الحرارة.

لقد أثبتت الدراسـات التي أجـريت على القات وما يحتويه من مركبات كيماوية تفوق الأربعين مركباً – كما أسلفنا – وكذلك الدراسات التي
أجريت على متعاطي القات, والمجتمعات الموجودة بها هذه الظاهرة وجود الكثير من المخاطر الصحية , والاجتماعية , والاقتصادية , وقبل ذلك الموانع الدينية ,كفيلة بأن يحذرها ويتحاشاها ويقلع عنها كل عـاقل
تصنيف القات ضمن المخدرات:-
هناك العديد من الدراسات التي جرت على مادة القات من أطباء وباحثين متخصصين في هذا المجال ، وكانت نتيجة هذه الدراسات احتواء نبتة القات على مادتي نوربيدوفيدرين ، والكاثين المشابهتين في تأثيرهما للأميفيتامينات.
وقد أدرجت منظمة الصحة العالمية القات في عام 1973م
ضمن قائمة المواد المخدرة بعدما أجرت مختبراتها أبحاثاً على مادة القات استغرقت 6 سنوات ، كما أن المؤتمر الإسلامي العربي أقر في دورته الخامسة عام 1969م بأن القات مخدر ومضغ أوراقه منبه وأنه يمدد حدقة العين ويهيج الجهاز العصبي والمركزي.
الأضرار الدينية لتعاطي القات:-
إن الدين الإسلامي حريص على سلامة الفرد والأسرة والمجتمع " لا ضرر ولا ضرار " أي لا تضر نفسك ولا تضر غيرك والشريعة الإسلامية جاءت للمحافظة على المصالح الضرورية للناس، وقد حصرها الشرعيون في خمس : الدين والنفس والعقل والعرض والمال.
ولا شك أن لتعاطي القات أضراراً بليغة على الدين وعلى الصحة والعقل والنفس والعرض والمال.
فكم من الليالي التي يقضيها المتعاطي في السهر ويهجر زوجته وأولاده لياليَ عديدة مما يتسبب في ضياع حقوق الزوجة والأولاد وتشردهم. ( ضرر على العرض والنسل )
وكم من مـبالغ يصرفها المتعاطي على القـات، وأسرته وأولاده بحاجـة إلى هذا المال.
( ضرر على المال)
وكم من واجبات دينية يتركها أو يهملها المتعاطي كتركه للصلاة أو تأخيرها عن وقتها، أو معصية للوالدين وعدم البر بهما، أو قطع لصلة الرحم، وكم من معـاصٍ يقترفها أثناء تعاطيه القات كالتدخين وكمشاهدة الأفلام الخليعة. (ضرر على الدين )
وكم هي الأمراض العضوية والنفسية التي تصيب المتعاطين للقات.( ضرر على النفس والعقل ) أليست هذه الأمور تلحق الضرر المباشر في الضرورات الخمس التي حرص الدين الإسلامي على الحفاظ عليها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه؟، وعن شبابه فيم أبلاه؟، وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟، وعن علمه ماذا عمل به؟
وقد صدرت في تعاطي القات فتوى مبنية على ما يلحقه القات من ضرر بالضرورات الخمس ومن تقصير في حقوق الوالدين ومن قطع لصلة الرحم، فله مضار صحية ونفسية واجتماعية واقتصادية.



فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإ فتاء في تحريم القات :-
      فتوى رقم 2159 وتاريخ 25/10/1398هـ الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله وصحبه – وبعد.. فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء على الاستفتاء المقدم لسماحة الرئيس العام من علي بن حسين الرشيدي وناصر بن محمد الأحمدي المحال من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم 1858/2 في 11/9/1398هـ مضمونه:( أن زراعة القات انتشر بشكل واسع في اليمن ويطلبان بيان حكم زراعته وبيعه وشرائه ) – وأجـابت اللجنة بما يلي:
"القات محرم ولا يجوز لمسلم أن يتعاطاه أكلاً وبيعاً وشراءً وغيره من أنواع التصرفات البشرية في الأموال المباحة، وقد صدر من سماحـة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله فتوى في تحريمه وبالله التوفيق وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم ،،،.
يرى المتعاطون للقات بأنه يمدهم بنشاط ذهني وعضلي ويتوهمون بأن له فوائد صحية , بينما يجزم الأطباء والمختصون عكس ذلك تماما . فقد أجرى الخبراء تجارب على الفئران لمعرفة تأثير المواد الكيميائية الموجودة في القات فوجدوها تعيش حالة من المرح الصاخب لمدة 24 ساعة عقب تناول الجرعة , ثم تعقبها حالة من الخمول  . فاستدلوا على أن المواد الكميائية هذه تشبه الأمفيتامينات في عملها حيث تعمل على تحفيز الخلايا العصبية مما يقلل الشعور بالتعب والإجهاد في الساعات الأولى للتعاطي ثم يعقب ذلك شعور بالكسل  والقلق والإكتئاب .

ويتسبب القات والإدمان عليه في عديد من الأمراض الجسدية والنفسية  .
·  أثره على الجهاز الهضمي:-
يعاني مدمنو القات من تقرحات مزمنة في الفم واللثة واللسان , مما يعد سبباً من أسباب انبعاث رائحة الفم الكريهة، كما أن إدمان القات يؤدي إلى إرتخاء اللثة مما ينتج عنه ضعف في اللثة والأسنان كذلك.
و القات مسبب رئيسي في عمليات عسر الهضم و فقدان الشهية و الإمساك مما يؤدي إلى مرض البواسير و سوء التغذية ولعل هذا ما يفسر الهزال وضعف البنية لدى غالبية المتعاطين
·  أثره على القلب والجهاز الدروي :-
إن المواد الكيميائية في نبتة القات تؤدي إلى زيادة ضربات القلب وتضيق في الأوعية الدموية مما يرفع ضغط الدم عند المصابين بالضغط ويجعل من الصعب على علاجات ضغط الدم أن تعمل على تخفيض الضغط , بالإضافة إلى أن هذه المواد تجعل الشخص السليم أكثر عرضة للإصابة بضغط الدم .

·  أثره على الجهاز البولي والتناسلي  :-
القات سبب رئيسي في صعوبة التبول والإفرازات المنوية الغير إرادية بعد التبول وفي أثناء المضغ وذلك لتأثير القات عل البروستات والحويصلة المنوية وما يحدثه مـن احـتقان وتقلص فيساعد على تضخم البروستات ويؤدي ذلك كله إلى الضعف الجنسي.
·  تأثيره العصبي والنفسي :-
يمتاز متعاطي القات بحدة الطبع والعصبية بعد إنقضاء فترة النشاط الكاذب كما يميل متعاطي القات للكسل الذهني بعد ساعات من التعاطي ثم سرعان ما يبدأ شعور بالقلق المصحوب بالإكتئاب والنوم المتقطع .

·  القات والسرطان  :-
لاحظ الأطباء إرتباطاً بين ازدياد حالات سرطانات الفم والفك وبين إدمان القات خاصة في السنوات الأخيرة إذ انتشرت عمليات استخدام مواد كيميائية غير مسموح بها عالميا ترش عليه أثناء زراعته . بالإضافة إلى عملية التخريش للفم أثناء عملية التخزين والتي تؤدي إلى تغيرات في بطانة الفم مما يساعد في حدوث السرطان.
·  القات و السكري :-
ثبت علميا أن إدمان القات يؤدي إلى زيادة نسبة السكر في الدم مما يجعل متعاطيه أكثر عرضة للإصابة بمرض السكري , كما أن المصاب بالسكري لا يستفيد كثيرا من علاج الإنسولين إذا كان من متعاطي القات.
الأضرار الاقتصادية لتعاطي القات :-
إن دراسة العواقب الاقتصادية من جراء استعمال القات تشير إلى أنها تساهم في عدم التماسك العائلي بسبب النزيف المالي للموارد العائلية, والذي ينعكس على مستوى العائلة الصحي والتعليمي, حيث يفقد المستهلك الرغبة في العمـل, وتنخفض إنتاجيته, وتتعطل قـواه العقلية، ويفقده التعاطي الاهتمام بأسرته, و عدم مقدرته على تأمين احتياجاتهم من المال بسبب الإدمان والحاجة المستمرة للمال, فتزداد تكاليف الضمان الاجتماعي ونفقات الرعاية الصحية في المناطق والدول المنتشر بها آفة تعاطي القات.
كما أن الدول المستوردة للقات قد تعاني عجزاً اقتصادياً خطيراً في ميزانيتها نتيجة دفعها جزءاً كبيراً من دخلها القومي لاستيراد القات, كان يمكن توفيره لمجالات تعود بالنفع على مواطنيها وتزيد من رفاهيتهم.
أما في الدول التي تنتشر فيها زراعة القات , فتشير الدراسات التي تمت بها , إلى أن القـات يستنـزف كميات كبيرة من المياه قد تكون البلاد في أمس الحاجة لها, كما هو الحال في اليمن على سبيل المثال, حيث يستهلك القات نصف الكمية المخصصة لمدينة صنعاء من المياه, مما يعرض مواردها المائية للنضوب, والمدينة للعطش.
كما أن الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بالقات, مثل عمليات زراعته وتسويقه واستهلاكه تعتبر أنشطة ضارة باقتصاد البلد, حيث كان بالإمكان توجيهها إلى بدائل مفيدة منتجة ترفع من الدخل القومي, وتساهم في نمو الناتج القومي, كالزراعات المفيدة التي تحل محل الزراعات المخصصة للقات, بدل استيرادها, فارتفاع الدخل والناتج القومي ينعكس على رفاهية المواطنين , وانخفاضه يؤدي إلى انتشار الفقر والبطالة والجرائم الاقتصادية و يمكن إيجاز بعض المخاطر الاقتصادية للقات في المظاهر التالية
البطالة:
   تنتشر البطالة بين مزارعي القات ومروجيه اعتماداً على ما يدره القات من أموال طائلة على حساب صحة وأسرة المستهلك ، وبالتالي إفساد المجتمع ، ولا هم لمزارعي القات سوى البحث عن متعهم وجلساتهم المكلفة لتخزين القات ( التي تختلف تماماً عن جلسات المستهلكين الضعفاء ) والاهتمام بامتلاء جيوبهم دون كد أو عرق ، غير مبالين بحل كسبهم أو حرمته
انخفاض ساعات العمل ورداءة الإنتاج:-
     نظراً للآثار الضارة المترتبة على مضغ وتخزين القات نجد المدمنين لا يذهبون إلى أعمالهم إلا متأخرين بسبب السهر في جلسات تخزين القات، كما أن الفتور والخمول الملازم لهم بسبب تعاطي القات يجعل إنتاجيتهم في العمل منخفضة, بسبب مزاجهم غير المعتدل, وفتورهم المضني, وشعورهم بالكآبة، إضافة إلى الوقت الذي يهدرونه في تعاطي القات دون التفكير في مشاريع تزيد من دخلهم.
انتشار الـفـقـر :-
يسبب تعاطي القات ارتباكات مالية في الأسر التي بها أفراد مدمنون ينفقون على تعاطي القات جزءاً غير قليل من دخلهم ، وقد يستدين بعضهم , وما أن يسدد إلا ويستدين مرة أخرى , مما يجعله في حالة فقر مستمر, مما يحثهم على ارتكاب الجرائم لتغطية النفقات الضرورية، وبعض المدمنين قد يزيد دخله الشهري عن عشرة آلاف ريال ولا يأتي نصف الشهر إلاّ وهو صفر اليدين من جراء الإنفاق على جلسات القات.وبعبارة أخرى يمكننا القول أن تعاطي القات يؤدي إلى التقليل من دخل الفرد بسبب الإنفاق المستمر عليه , وبسبب الوقت المهدر فيه , وبالتالي يؤثر على الدخل القومي الذي هو مجموع دخل الأفراد
الأضرار الاجتماعية لتعاطي القات :-
إن لتعاطي القات أضراراً اجتماعية عديدة تتمثل في نشوء استعدادات غير طبيعية تساعد على الانحراف إلى الإجرام وذلك نتيجة الانعكاسات النفسية المترتبة على التعاطي، كما قد يؤدي إلى تقبل السلوك الانحرافي الإجرامي و الشعور بالأنانية وضعف الإحساس بالواجب الاجتماعي وبالتالي اختفاء الولاء للأسرة والوطن مما قد يؤدي إلى تأثر الحياة الاجتماعية وإلى التفكك الأسري، كما يلعب القات دوراً كبيراً في حدوث البطالة المؤدية إلى الفقر الذي يجر إلى ارتكاب السرقة، والجرائم المخلة بالشرف والمروءة، خاصة في غياب الوازع الديني القوي لهذه الفئة من الناس، وتكون نتائجه عدم الاستقرار الأسري وفقدان الأمن الاجتماعي، ويمكن إيضاح الأضرار الاجتماعية في النقاط التالية:
1- التفكك الأسري:-
إن الإنفاق على شراء القات يمثل عبئاً اقتصادياً على ميزانية الأسرة , حيث ينفق المدمن على القات جزءاً كبيراً من دخله ، مما يؤثر على الحالة المعيشية من الناحية السكنية والغذائية والصحية والتعليمية، وبالتالي يحدث التوتر والشقاق والخلافات الأسرية، نتيجة عدم تلبية رب الأسرة لمطالبها الضرورية, لضيق ذات اليد بسبب إنفاقه على شراء القات وتعاطيه.
2- انحراف الأحداث وسوء تنشئتهم:-
يقدم المدمن للقات نموذجاً سيئاً من السلوك لأبنائه , حيث يتركهم يعانون الحرمان والحاجة , بسبب انشغاله بنفسه , واهتمامه بتأمين ما يحتاجه هو من أجل تعاطيه القات، فيحس الأبناء بالنقص تجاه أقرانهم الذين يجدون الملبس الجديد ويتنـزهون مع أسرهم، ويحرمون أيضاً من الدورات  التعليمية، أو المشاركات في الأندية الرياضية  بسبب عدم توفر المبالغ المالية، أو بسبب ضياع وقت آبائهم في مجالس القات، وعدم تخصيصهم جزءاً من الوقت للترويح عن أبنائهم، فيفقد الأبناء الثقة في أنفسهم، ويزرع الحقد في صدورهم بسبب الحرمان الذي يعيشونه مقارنة مع غيرهم، مما يدفع الأبناء إلى سلوكيات غير سوية, وعدم تحمل
للمسؤولية, وقد يحترفون السرقة , ويتعاطون القات وغيره من المخدرات، كما أن الأبناء يقتدون بآبائهم فإذا انتشرت هذه العادة بين الأجيال المتعاقبة سيكون لدينا في المستقبل مجتمع متهالك تسوده الفوضى ولا يقوم بواجباته وخدمة نفسه.
3- العزوف عن الـزواج:-
الشباب الذين أدمنوا القات وهم من الطبقات المتوسطة أو الفقيرة ، لا يستطيعون الوفاء بمستلزمات وتكاليف الزواج، إذ أن دخل الواحد منهم يستهلك في الإنفاق عـلى شراء القات الذي يجد في مجالسه نشوة القات ويرى أنها قد تغنى عن الزواج الذي يعجز عن تكاليفه، وقد لا يجد يد العون من والده أو إخوته إذا كانوا من مدمني القات، كما أنه قد لا يوفـق في إيجاد شريكة حياته والتي قد ترفضه بسبب إدمانه على تعاطي القات
4- الفساد الاجتماعي:-
يؤدي تعاطي القات إلى مفاسد اجتماعية , بسبب ما تكلفه هذه العادة السيئة من أموال تجبر المستهلك على كسب المزيد من المال ليرضي رغبته، والغاية عنده تبرر الوسيلة ، فلا مانع من استغلال مركزه الوظيفي في الحصول على الرشوة , وتقديم الخدمة لمن لا يستحقها , مقابل مبلغ من المال أو دعوة إلى مجلس قات مقابل هذه الخدمة التي تقدم لمن قد لا يستحقها.
كما أن الفساد الاجتماعي الناجم عن القات قد يتجاوز الطبقة الصغيرة من الموظفين إلى طبقات أعلى يمكنها التعاطف مع المهربين والمروجين، كما أن انتشار ظاهرة تعاطي القات بين المثقفين في المجتمع قد توجد لدى ضعفاء النفوس تبريراً لأن يقوموا بعملية التهريب والترويج.



أضرا تعاطي القات النفسية :-
     مما لاشك فيه أن القلق يعتبر سمة العصر الحديث وذلك لما تعانيه البشرية من ضغوط وتغيرات في أساليب الحياة ولما وصلت إليه البشرية من تقدم تكنولوجي له فوائده الإيجابية علي الحياة العامة وكذلك له سلبياته على التركيبة النفسية لدى البشر مما ينتج عنه ظهور بعض الاضطرابات النفسية، ويعتبر القلق من أهم السمات الشخصية التي تظهر على البشر من وقت إلى آخر، ولكن هناك عوامل باعثة على ظهور هذه السمة، منها تعاطي القات فهو عامل من العوامل الباعثة علي ظهور القلق لدى المتعاطي له، ولذا نجد أن الإنسان هو السبب في ظهور هذه السمة لديه بمظهر إيجابي نتيجة استخدامه لهذه الشجرة وهذا ما أثبتته الدراسات والبحوث العلمية .
هل استخدام القات يسبب القلق لدى الإنسان ؟
يعتبر استخدام القات من أهم مصادر القلق لدى المستخدمين له مما يترتب على ذلك عدم الاستقرار النفسي لدى المستخدمين وتعرضهم للاضطرابات النفسية
أكثر من غيرهم .
وإن ظهور القلق لدى متعاطي القات سوف يقوده إلي اضطرابات نفسية أخري تستدعي العلاج النفسي.
وتتمثل تأثيرات المادة المنبهة من مضغ القات فيما ما يلي :
1.    الانتعاش الموقت.
2.    زيادة اليقظة.
3.    زيادة النشاط.
4.    الهيجان.
5.    الأرق.
6.    حب الاعتداء.
7.    شبه الجنون في التصرفات.
8.    الشعور بالتراخي ورغبة في النوم.
وهذه التأثيرات تتفاوت من شخص لآخر متأثرة بعوامل عديدة.
ويمكن تحليل الحالة النفسية لمتعاطي القات علي النحو التالي :
1-  حالة التنبه وهي تبدأ بعد تناول القات بفترة من 15-20 دقيقة حيث يشعر المتعاطي بالقوة والنشاط وزوال التعب والإرهاق كذلك بالراحة والنشاط الفكري والقدرة على الكلام والشعور بالانسجام مع الآخرين
2-  حالة الكيف وهي تبدأ بعد مرور ساعة ونصف ويشعر المتعاطي براحة نفسية وعصبية تنقله إلي عالم الخيال لفترة من الوقت ولهذا يكثر الكلام في هذه الفترة والحل الخيالي لأي مشكلة.
3-  حالة القلق النفسي وهي تمثل آخر مرحلة حيث تبدأ عملية إخراج المخزون من القات من فم المتعاطي وهنا يلاحظ شعور المتعاطي بالقلق النفسي والشرود الذهني ولا شك أن هذه الحالات تختلف من شخص لآخر حسب السن وتاريخ التعاطي كذلك نوع القات نفسه وحالة الإدمان.
وفيما يلي العديد من الدراسات التي أجريت على تعاطي القات ونتائجها:-
-  لقد أوضحت نتائج الدراسات التجريبية على القات في السعودية أن للمستخلص الايثانولى أثراً ملموسا في تنبيه الجهاز العصبي المركزي وارتفاع طفيف في درجة الحرارة وزيادة في ضغط الدم الشرياني ومعدل وشدة ضربات

القلب ازدياد الحس المرهف نتيجة الاستجابة للتولازولين هيدرو كالوريد مما يشير إلى حدوث نشاط سمبثاوى بواسطة مستخلص القات كذلك فإن انبساط العضلات الملساء للأمعاء وتثبيط الانقباضات الناتجة عن تأثير الاسيتايل كولين وهذا يؤكد التأثير السمبثاوى للقات . كما أوضحت الدراسات على العضلات الإرادية المعزولة توافقاً عصبياً عقلياً بسيطاً نتيجة للقات وقد تكون الزيادة المبدئية في النشاط العضلي الملاحظ في الأشخاص نتيجة لسيادة التنبيه العصبي المركزي .
- دراسة هالباخ ( 1972م ) والتي تمثلت نتائجها في أن السيلان المنوي شكوى عامة عند ماضغي القات وهذا يفسر تأثير الكاثينون علي الوعاء الناقل له فيؤدى إلي
انقباضه أما التقلب الجنسي فهي حالة تنتج عن تغيرات نفسية وظيفية لدى المستخدم فيكون هناك في البداية ازدياد في النشاط الجنسي غالباً نفسي المنشأ ثم اختلال و هبوط في النشاط الجنسي.
- دراسة جامعة الدول العربية (1983م) بهدف التعرف وتحديد الآثار الصحية والنفسية لتخزين القات على عينة عشوائية مؤلفة من (221) من كلا الجنسين في  الجمهورية اليمنية. اتـضح من نتائج الدراسة أن لتعاطي القات أثاراً على الفرد من الناحية النفسية والصحية.
- دراسة جامعة مقديشو (1983م) بهدف معرفة ما إذا كان القات يحدث تغيراً في الناحية الفسيولوجية والعصبية وهل له تأثير متشابه لتأثير الامفيتامين علي عينة تجربيه مؤلفة من مجموعة من الأفراد الذكور وكانت نتائج الدراسة أن للقات أثراً على الناحتين الفسيولوجية والعصبية وله تأثير شبيه بتأثير الأمفيتامين
- دراسة جون كنيدى وآخرون (1983م) وكانت تهدف إلى تقييم التأثيرات الرئيسية لعقار القات ومشكلة الإدمان على عينة عشوائية من الذكور في الجمهورية  اليمنية وكانت نتائج الدراسة أن هناك آثاراً سلبية مترتبة على تعاطي القات من الناحتين النفسية والفسيولوجية وأن تعاطيه يسبب انقياداً نفسياً وليس انقياداً  فسيولوجياً .
- دراسة جورج وكوكسون في إنجلترا (1984م) التي كانت نتائجها أن القات يسبب مرض التشويش النفسي كشكل من أشكال انفصام الشخصية .
- دراسة عبد الله عسكر وكمال أبو شهده ( 1993م) بهدف معرفة تأثير القات على الناحية الاجتماعية والاقتصادية والصحية والنفسية وقد كانت عينة الدراسة من محافظة صنعاء من الذكور بلغت (148) فرداً وقد أثبتت الدراسة أن تعاطي القات له أثار .
سلبية على الفرد من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والصحية والنفسية .
-         دراسة جيجر واد وآخرون (1994م) وكانت تهدف إلى معرفة ما إذا كانت هناك
-   أعراض ذهانية تنتج عن تعاطي القات على بعض الحالات المرضية في مستشفي هيث هيرتون في استراليا ومن خلال الفحوصات الإكلينيكية ثبت أن هناك ذهاناً ينتج عن تعاطي القات يشبه الذهان الناتج عن تعاطي الامفيتامين وذهان البرانويا.
- ثبت بالبحث العلمي (1999م) أن تخزين القات يبطي من حركة الأمعاء مما يسبب الإمساك .
- دراسة عريشي (1423) وكانت تهدف إلى معرفة ظهور سمة القلق لدى المستخدمين للقات وأثره على  الصحة النفسية وبلغت عينة الدراسة 60 شخصاً منهم 30 مستخدمون للقات و30 غير مستخدمين تراوحت أعمارهم بين 22-56سنة.
وقد استخدم مقياس تايلور لقياس القلق الصريح وقد أثبتت الدراسة أن للقات أثراً علي الصحة النفسية وأن فئة المستخدمين للقات أكثر قلقاً من غير المستخدمين وأنهم يقعون في فئة الاضطراب النفسي، وتوصل إلى أن للقات أثراً على التركيبة النفسية لدى المستخدم ويكون هذا الأثر بسبب ما يلي :
1-              عدم استقرار النوم لدى المستخدم .
2-   الإسراف في أحلام اليقظة من قبل المستخدم .

3-   تداعي الأفكار وتلاشيها بعد عملية الاستخدام .
4- الارتياح النفسي أثناء الاستخدام وضموره بعد الاستخدام .
5-   ظهور علامات عدم الاستقرار النفسي والجسمي بعد عملية الاستخدام .
6-   التحيز للأفكار الذاتية وعدم إعطاء فرصة للآخرين أو قبول أفكارهم..
7-   ظهور علامات الهستيريا السمعية والبصرية على بعض المستخدمين بعد نهاية
عملية الاستخدام .
8-              مراجعة العيادات النفسية لغالبية المستخدمين من وقت إلى آخر .
9-   ظهور اضطرابات المعدة مما ينتج عنها عدم الاستقرار النفسي والجسمي.
10- الشعور بالعظمة أثناء عملية الاستخدام وخصوصاً في بداية الاستخدام.
11- عدم الاستقرار أو الاتزان الحركي للمستخدم وخصوصاً في منطقة الأطراف والفم.
12- جحوظ العينين وقلة اللعاب بعد عملية الاستخدام والتي تصاحب المستخدم فترة زمنية مؤقتة.
13- إهمال كل متطلبات الحياة أثناء الاستخدام .
هذه هي أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة والتي تدل علي ظهور سمة القلق لدى المستخدم للقات أكثر من غيره .
نلاحظ من الدراسات التي سبق ذكرها والتي تناولت القات وأثبتت أن استخدام  القات له أثر من الناحية النفسية للمستخدم ،أثبتت أن استخدام القات له أثر علي   الصحة النفسية.

من سيرة الامام علي بن أبي طالب رضي الله عنه

بسم الله الرحمن الرحيم

من سيرة الامام علي بن أبي طالب رضي الله عنه :-

هو ابـن عم النبي -صلى الله عليه وسلم- ، ولد قبل البعثة النبوية بعشـر
سنين وأقام في بيت النبوة فكان أول من أجاب الى الاسلام من الصبيان ، هو
أحد العشرة المبشرين بالجنة ، وزوجته فاطمة الزهراء ابنة النبي -صلى الله عليه وسلم-
ووالد الحسن والحسين سيدي شباب الجنة .
الرسول يضمه إليه
كان أول ذكر من الناس آمن برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصدق
بما جاءه من الله تعالى : علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ، وهو
يومئذ ابن عشر سنين ، فقد أصابت قريشاً أزمة شديدة ، وكان أبو طالب
ذا عيال كثير فقال الرسول الكريم للعباس عمه :
يا عباس ، إن أخاك أبا طالب كثير العيال ، وقد أصاب الناس ما ترى من
هذه الأزمـة ، فانطلق بنا إليه فلنخفـف عنه من عياله ، آخذ من بنيـه رجلا
وتأخذ أنت رجلا فنكفلهما عنه فقال العباس( نعم(
)فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقالا له ( إنا نريد أن نخفف من عيالك حتى
ينكشف عن الناس ما هم فيه ) فقال لهما أبو طالب ( إذا تركتما لي عقيلاً
فاصنعا ما شئتما ) فأخذ الرسول -صلى الله عليه وسلم- علياً فضمه إليه
،
وأخذ العباس جعفراً فضمه إليه ، فلم يزل علي مع رسول الله حتى بعثه الله
تبارك وتعالى نبياً ، فاتبعه علي -رضي الله عنه- وآمن به وصدقه ، وكان
الرسول -صلى الله عليه وسلم- إذا حضرت الصلاة خرج الى شعاب مكة ، وخرج علي
معه مستخفياً من أبيه وسائر قومه ، فيصليان الصلوات معا ، فإذا أمسيا رجع
منزلته من الرسول
لمّا آخى الرسول -صلى الله عليه وسلم- بين أصحابه قال لعلي (أنت أخي(
وكان يكتب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وشهد الغزوات كلها ما عدا
غزوة تبوك حيث استخلفه الرسول -صلى الله عليه وسلم- في أهله وقال له

(
أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى)
وكان مثالا في الشجاعة و الفروسية ما بارز أحد الا صرعه ، وكان زاهدا في
الدنيا راغبا في الآخرة قال فيه النبي -صلى الله عليه وسلم-

(
من أحب عليا فقد أحبني ، ومن أحبني فقد أحب الله ومن أبغض عليا
فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله (
دعاه الرسول -صلى الله عليه وسلم- وزوجته فاطمة وابنيه ( الحسن والحسين (
وجلَّلهم بكساء وقال (اللهم هؤلاء أهل بيتي ، فأذهب
عنهم الرجس وطهِّرْهُم تطهيراً )
وذلك عندما نزلت الآية الكريمة قال تعالى (إنّما يُريدُ
اللهُ لِيُذْهِبَ عنكم الرِّجسَ أهلَ البيت ( ,
كما قال -عليه أفضل الصلاة والسلام(اشتاقت الجنّةِ
إلى ثلاثة : إلى علي ، وعمّار وبلال(
ليلة الهجرة
في ليلة الهجرة ، اجتمع رأي المشركين في دار الندوة على أن يقتلوا
الرسول -صلى الله عليه وسلم- في فراشه ، فأتى جبريل -عليه السلام-
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال ( لا تبيت هذه الليلة على
فراشك الذي كنت تبيت عليه (
فلما كانت عتمة من الليل اجتمع المشركون على بابه يرصدونه
متى ينام فيثبون عليه ، فلما رأى رسول الله مكانهم قال لعلي

(
نم على فراشي ، وتَسَجَّ ببردي هذا الحضرمي
الأخضر فنم فيه ، فإنه
لن يَخْلُصَ إليك شيء تكرهه منهم(
ونام علي -رضي الله عنه- تلك الليلة بفراش رسول الله ، واستطاع
الرسول -صلى الله عليه سلم- من الخروج من الدار ومن مكة ، وفي
الصباح تفاجأ المشركون بعلي في فراش الرسول الكريم وأقام علي -
رضي الله عنه- بمكة ثلاث ليال وأيامها حتى أدى عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
الودائع التي كانت عنده للناس ، حتى إذا فرغ منها لحق برسول الله في قباء.
أبو تراب
دخل ‏علي ‏‏على ‏فاطمة -رضي الله عنهما-‏ ‏، ثم خرج فاضطجع في المسجد ،
فقال النبي ‏-‏صلى الله عليه وسلم- (‏أين ابن عمك(
قالت ( في المسجد ) فخرج إليه فوجد رداءه قد سقط عن ظهره ،
وخلص التراب إلى ظهره ، فجعل يمسح التراب عن ظهره فيقول

(
اجلس يا ‏‏أبا تراب ) ‏مرتين
يوم خيبر
في غزوة خيبـر قال الرسـول -صلى اللـه عليه وسلم-

(
لأُعْطينّ الرايةَ غداً رجلاً يحب الله ورسوله ، ويُحبه الله ورسوله ،
يفتح الله عليه ، أو على يديه (
فكان رضي الله عنه هو المُعْطَى وفُتِحَت على يديه.
خلافته
لما استشهد عثمان -رضي الله عنه- سنة ( 35 هـ ) بايعه الصحابة
والمهاجرين و الأنصار وأصبح رابع الخلفاء الراشدين ، يعمل جاهدا على
توحيد كلمة المسلمين واطفاء نار الفتنة ، وعزل الولاة الذين كانوا مصدر الشكوى.
ذهبت السيدة عائشة زوجة الرسول -صلى الله عليه وسلم- الى مكة المكرمة
لتأدية العمرة في شهر محرم عام 36 هجري ، ولما فرغت من ذلك عادت الى المدينة ،
وفي الطريق علمت باستشهاد عثمان واختيار علي بن أبي طالب
خليفة للمسلمين ، فعادت ثانية الى مكة حيث لحق بها طلحة بن عبيد الله
والزبير بن العوام -رضي الله عنهما- وطالب الثلاثة الخليفة بتوقيع القصاص
على الذين شاركوا في الخروج على الخليفة عثمان -رضي الله عنه- ، وكان من
رأي الخليفة الجديد عدم التسرع في ذلك ، والانتظار حتى تهدأ نفوس
المسلمين ،
وتستقر الأوضاع في الدولة الاسلامية ، غير أنهم لم يوافقوا على
ذلك
واستقر رأيهم على التوجه الى البصرة ، فساروا اليها مع أتباعهم.
معركة الجمل
خرج الخليفة من المدينة المنورة على رأس قوة من المسلمين على أمل
أن يدرك السيدة عائشة -رضي الله عنها- ، ويعيدها ومن معها الى مكة المكرمة ،
ولكنه لم يلحق بهم ، فعسكر بقواته في ( ذي قار ) قرب البصرة ، وجرت
محاولات للتفاهم بين الطرفين ولكن الأمر لم يتم ، ونشب القتال بينهم
وبذلك بدأت موقعة الجمل في شهر جمادي الآخرة عام 36 هجري ،
وسميت بذلك نسبة الى الجمل الذي كانت تركبه السيدة عائشة -رضي الله عنها-
خلال الموقعة ، التي انتهت بانتصار قوات الخليفة ، وقد أحسن علي -رضي الله عنه-
استقبال السيدة عائشة وأعادها الى المدينة المنورة معززة مكرمة ،
بعد أن جهزها بكل ما تحتاج اليه ، ثم توجه بعد ذلك الى الكوفة في العراق ،
واستقر بها ، وبذلك أصبحت عاصمة الدولة الاسلامية.
مواجهة معاوية
قرر علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ( بعد توليه الخلافة ( عزل
معاوية بن أبي سفيان عن ولاية الشام ، غير أن معاوية رفض ذلك ،
كما امتنع عن مبايعته بالخلافة ، وطالب بتسليم قتلة عثمان -رضي الله عنه-
ليقوم معاوية باقامة الحد عليهم ، فأرسل الخليفة الى أهل الشام يدعوهم الى مبايعته ،
وحقن دماء المسلمين ، ولكنهم رفضوا فقرر المسير بقواته اليهم وحملهم
على الطاعة ، وعدم الخروج على جماعة المسلمين ، والتقت قوات الطرفين
عند ( صفين ) بالقرب من الضفة الغربية لنهر الفرات ، وبدأ بينهما
القتال يوم الأربعاء (1 صفر عام 37 هجري (.
وحينما رأى معاوية أن تطور القتال يسير لصالح علي وجنده ، أمر جيشه
فرفعوا المصاحف على ألسنة الرماح ، وقد أدرك الخليفة خدعتهم وحذر جنوده
منها وأمرهم بالاستمرار في القتال ، لكن فريقا من رجاله ، اضطروه
للموافقة على وقف القتال وقبول التحكيم ، بينما رفضه فريق آخر وفي
رمضان عام 37 هجري اجتمع عمر بن العاص ممثلا عن معاوية وأهل الشام ،
وأبو موسى الأشعري عن علي وأهل العراق ، واتفقا على أن يتدارسا الأمر
ويعودا للاجتماع في شهر رمضان من نفس العام ، وعادت قوات الطرفين الى
دمشق والكوفة ، فلما حان الموعد المتفق عليه اجتمعا ثانية ، وكانت
نتيجة التحكيم لصالح معاوية.
الخوارج
أعلن فريق من جند علي رفضهم للتحكيم بعد أن اجبروا عليا -رضي الله عنه-
على قبوله ، وخرجوا على طاعته ، فعرفوا لذلك باسم الخوارج ، وكان عددهم
آنذاك حوالي اثني عشر ألفا ، حاربهم الخليفة وهزمهم في معركة

(
النهروان) عام 38 هجري ، وقضى على معظمهم ، ولكن تمكن بعضهم من النجاة
والهرب وأصبحوا منذ ذلك الحين مصدر كثير من القلاقل في الدولة الاسلامية.
استشهاده
لم يسلم الخليفة من شر هؤلاء الخوارج اذ اتفقوا فيما بينهم على قتل علي
ومعاوية وعمرو بن العاص في ليلة واحدة ، ظنا منهم أن ذلك يحسم الخلاف
ويوحد كلمة المسلمين على خليفة جديد ترتضيه كل الأمة ، وحددوا لذلك ثلاثة
من بينهم لتنفيذ ما اتفقوا عليه ، ونجح عبد الرحمن بن ملجم فيما كلف به
، اذ تمكن من طعن علي -رضي الله عنه- بالسيف وهو خارج لصلاة الفجر من يوم
الجمعة الثامن عشر من رمضان عام أربعين هجرية بينما أخفق الآخران.
وعندما هجم المسلمون على ابن ملجم ليقتلوه نهاهم علي قائلا ( ان أعش
فأنا أولى بدمه قصاصا أو عفوا ، وان مت فألحقوه بي أخاصمه عند رب
العالمين ، ولا تقتلوا بي سواه ، ان الله لا يحب المعتدين (
وحينما طلبوا منه أن يستخلف عليهم وهو في لحظاته الأخيرة قال لهم

(
لا آمركم ولا أنهاكم ، أنتم بأموركم أبصر ) واختلف في مكان قبره
وباستشهاده -رضي الله عنه- انتهى عهد الخلفاء الراشدين.

(
من أحب عليا فقد أحبني ، ومن أحبني فقد أحب الله ومن أبغض عليا فقد
أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله) حديث شريف).

الحجاج بن يوسف الثقفي

الحجاج بن يوسف الثقفي

هو الحجاج بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل بن مسعود بن عامر بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف - وهو قسي بن منبه بن بكر بن هوزان - أبو محمد الثقفي.
قال ابن خلكان واسم أمه الفارعة بنت همام بن عروة بن مسعود الثقفي، وكان زوجها الحارث بن كلدة الثقفي طبيب العرب.

وذكر صاحب "العقد" أن الحجاج كان هو وأبوه يعلمان الغلمان بالطائف، ثم قدم دمشق فكان عند روح بن زنباع وزير عبد الملك، فشكا عبد الملك إلى روح أن الجيش لا ينزلون لنزوله ولا يرحلون لرحيله، فقال روح: عندي رجل توليه ذلك. فولى عبد الملك الحجاج أمر الجيش، فكان لا يتأخر أحد في النزول والرحيل، حتى اجتاز إلى فسطاط روح بن زنباع وهم يأكلون، فضربهم وطوف بهم، وأحرق الفسطاط فشكا روح ذلك إلى عبد الملك فقال للحجاج: لم صنعت هذا؟ فقال: لم أفعله، إنما فعله أنت؛ فإن يدي يدك وسوطي سوطك، وما ضرك إذا أعطيت روحا فسطاطين بدل فسطاطه، وبدل الغلام غلامين، ولا تكسرني في الذي وليتني؟ ففعل ذلك وتقدم الحجاج عنده.

وبنى واسط في سنة أربع وثمانين، وفرغ منها في سنة ست وثمانين. وقيل قبل ذلك. قال: وفي أيامه نقطت المصاحف. وذكر في حكايته ما يدل على أنه كان أولا يسمى كليبا، ثم سمي الحجاج. وذكر أنه ولد ولا مخرج له حتى فتق له مخرج، وأنه لم يرتضع أياما حتى سقوه دم جدي أياما ثم دم سالخ ولطخ وجهه بدمه فارتضع، وكانت فيه شهامة وحب لسفك الدماء؛ لأنه أول ما ارتضع ذلك الدم الذي لطخ به وجهه.

وكانت فيه شهامة عظيمة، وفي سيفه رهق، وكان كثير قتل النفوس التي حرمها الله بأدني شبهة، وكان يغضب غضب الملوك، وكان - فيما يزعم - يتشبه بزياد بن أبيه.
وكان مولد الحجاج في سنة تسع وثلاثين. وقيل: في سنة أربعين وقيل: في سنة إحدى وأربعين. ثم نشأ شابا لبيبا فصيحا بليغا حافظا للقرآن، قال بعض السلف: كان الحجاج يقرأ القرآن في كل ليلة، وقال أبو العلاء: ما رأيت أفصح منه ومن الحسن البصري، وكان الحسن أفصح منه. وقال الدارقطني: ذكر سليمان بن أبي شيخ، عن صالح بن سليمان قال: قال عتبة بن عمرو: ما رأيت عقول الناس إلا قريبا بعضها من بعض، إلا الحجاج وإياس بن معاوية، فإن عقولهما كانت ترجح على عقول الناس. وتقدم أن عبد الملك لما قتل مصعب بن الزبير سنة ثلاث وسبعين بعث الحجاج إلى أخيه عبد الله بمكة فحاصره بها، وأقام للناس الحج عامئذ، ولم يتمكن الحجاج ومن معه من الطواف بالبيت، ولا تمكن ابن الزبير ومن عنده من الوقوف بعرفة، ولم يزل محاصره حتى ظفر به في جمادى سنة ثلاث وسبعين ثم استنابه عبد الملك على مكة والمدينة والطائف واليمن، ثم ولاه عبد الملك العراق بعد موت أخيه بشر، فدخل الكوفة.فأقام بين ظهرانيهم عشرين سنة كاملة. وفتح فيها فتوحات كثيرة هائلة منتشرة، حتى وصلت خيوله إلى بلاد الهند والسند، ففتح فيها جملة مدن وأقاليم، ووصلت خيوله أيضا إلى قريب من بلاد الصينالمصدر موقع الاسلام
_____________________

وهذا موضوع آخر جميل :
احتل الحجاج بن يوسف الثقفي مكانة متميزة بين أعلام الإسلام، ويندر أن تقرأ كتابًا في التاريخ أو الأدب ليس فيه ذكر للحجاج الذي خرج من سواد الناس إلى الصدارة بين الرجال وصانعي التاريخ بملكاته الفردية ومواهبه الفذة في القيادة والإدارة.
وعلى قدر شهرة الحجاج كانت شهرة ما نُسب إليه من مظالم؛ حتى عده كثير من المؤرخين صورة مجسمة للظلم، ومثالا بالغا للطغيان، وأصبح ذكر اسمه يستدعي في الحال معاني الظلم والاستبداد، وضاعت أعمال الحجاج الجليلة بين ركام الروايات التي تروي مفاسده وتعطشه للدماء، وإسرافه في انتهاكها، وأضافت بعض الأدبيات التاريخية إلى حياته ما لم يحدث حتى صار شخصية أسطورية بعيدة كل البعد عن الحقيقة والواقع، وقليل من المؤرخين من أنصف الحجاج، ورد له ما يستحق من تقدير.
وإذا كان الجانب المظلم قد طغى على صورة الحجاج، فإننا سنحاول إبراز الجانب الآخر المشرق في حياته، والمؤثر في تاريخ المسلمين حتى تستبين شخصية الحجاج بحلوها ومرها وخيرها وشرها.
المولد والنشأة
في الطائف كان مولد الحجاج بن يوسف الثقفي في سنة (41 هـ = 661م)، ونشأ بين أسرة كريمة من بيوت ثقيف، وكان أبوه رجلا تقيًّا على جانب من العلم والفضل، وقضى معظم حياته في الطائف، يعلم أبناءها القرآن الكريم دون أن يتخذ ذلك حرفة أو يأخذ عليه أجرا.
حفظ الحجاج القرآن على يد أبيه ثم تردد على حلقات أئمة العلم من الصحابة والتابعين، مثل: عبد الله بن عباس، وأنس بن مالك، وسعيد بن المسيب، وغيرهم، ثم اشتغل وهو في بداية حياته بتعليم الصبيان، شأنه في ذلك شأن أبيه.
وكان لنشأة الحجاج في الطائف أثر بالغ في فصاحته؛ حيث كان على اتصال بقبيلة هذيل أفصح العرب، فشب خطيبا، حتى قال عنه أبو عمرو بن العلاء: "ما رأيت أفصح من الحسن البصري، ومن الحجاج"، وتشهد خطبه بمقدرة فائقة في البلاغة والبيان.
الحجاج وابن الزبير
لفت الحجاج أنظار الخليفة عبد الملك بن مروان، ورأى فيه شدة وحزما وقدرة وكفاءة، وكان في حاجة إليه؛ حتى ينهي الصراع الدائر بينه وبين عبد الله بن الزبير الذي كان قد أعلن نفسه خليفة سنة (64هـ = 683م) بعد وفاة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، ودان له بالولاء معظم أنحاء العالم الإسلامي، ولم يبق سوى الأردن التي ظلت على ولائها للأمويين، وبايعت مروان بن الحكم بالخلافة، فنجح في استعادة مصر من قبضة ابن الزبير، ثم توفي تاركا لابنه عبد الملك استكمال المهمة، فانتزع العراق، ولم يبق في يد عبد الله بن الزبير سوى الحجاز؛ فجهز عبد الملك حملة بقيادة الحجاج؛ للقضاء على دولته تماما.
حاصر الحجاج مكة المشرفة، وضيّق الخناق على ابن الزبير المحتمي بالبيت، وكان أصحابه قد تفرقوا عنه وخذلوه، ولم يبق سوى قلة صابرة، لم تغنِ عنه شيئا، ولم تستطع الدفاع عن المدينة المقدسة التي يضربها الحجاج بالمنجنيق دون مراعاة لحرمتها وقداستها؛ حتى تهدمت بعض أجزاء من الكعبة، وانتهى القتال باستشهاد ابن الزبير والقضاء على دولته، وعودة الوحدة للأمة الإسلامية التي أصبحت في ذلك العام (73 هـ = 693م) تدين بالطاعة لخليفة واحد، وهو عبد الملك بن مروان.
وكان من أثر هذا الظفر أن أسند الخليفة إلى الحجاج ولاية الحجاز مكافأة له على نجاحه، وكانت تضم مكة والمدينة والطائف، ثم أضاف إليه اليمن واليمامة فكان عند حسن ظن الخليفة وأظهر حزما وعزما في إدارته؛ حتى تحسنت أحوال الحجاز، فأعاد بناء الكعبة، وبنى مسجد ابن سلمة بالمدينة المنورة، وحفر الآبار، وشيد السدود.
الحجاج في العراق
بعد أن أمضى الحجاج زهاء عامين واليًا على الحجاز نقله الخليفة واليا على العراق بعد وفاة أخيه بشر بن مروان، وكانت الأمور في العراق بالغة الفوضى والاضطراب، تحتاج إلى من يعيد الأمن والاستقرار، ويسوس الناس على الجادة بعد أن تقاعسوا عن الخروج للجهاد وركنوا إلى الدعة والسكون، واشتدت معارضتهم للدولة، وازداد خطر الخوارج، وقويت شكوتهم بعد أن عجز الولاة عن كبح جماحهم.
ولبى الحجاج أمر الخليفة وأسرع في سنة (75هـ = 694م) إلى الكوفة، وفي أول لقاء معهم خطب في المسجد خطبة عاصفة أنذر فيها وتوعد المخالفين والخارجين على سلطان الخليفة والمتكاسلين عن الخروج لقتال الخوارج الأزارقة، وخطبة الحجاج هذه مشهورة متداولة في كتب التاريخ، ومما جاء فيها: "… يا أهل الكوفة إني لأرى أرؤسا قد أينعت وحان قطافها وإني لصاحبها، وإن أمير المؤمنين –أطال الله بقاءه- نثر كِنانته (جعبة السهام) بين يديه، فعجم عيدانها (اختبرها)، فوجدني أمرّها عودا، وأصلبها مكْسِرًا فرماكم بي؛ لأنكم طالما أوضعتم في الفتنة، واضطجعتم في مراقد الضلالة، وإن أمير المؤمنين أمرني بإعطائكم أعطياتكم، وأن أوجهكم لمحاربة عدوكم مع المهلّب بن أبي صفرة، وإني أقسم بالله لا أجد رجلا تخلّف بعد أخذ عطائه ثلاثة أيام إلا ضربت عنقه".
وأتبع الحجاج القول بالفعل ونفذ وعيده بقتل واحد ممن تقاعسوا عن الخروج للقتال، فلما رأى الناس ذلك تسارعوا نحو قائدهم المهلب لمحاربة الخوارج الأزارقة، ولما اطمأن الحجاج إلى استقرار الأوضاع في الكوفة، ذهب إلى البصرة تسبقه شهرته في الحزم، وأخذ الناس بالشدة والصرامة وخطب فيهم خطبة منذرة زلزلت قلوبهم، وحذرهم من التخلف عن الخروج مع المهلب قائلا لهم: "إني أنذر ثم لا أنظر، وأحذر ثم لا أعذر، وأتوعد ثم لا أعفو…".
ولم يكتف الحجاج بحشد الجيوش مع المهلب بل خرج في أهل البصرة والكوفة إلى "رشتقباذ" ليشد من أزر قائده المهلب ويساعده إن احتاج الأمر إلى مساعدة، ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان؛ إذ حدثت حركة تمرد في صفوف الجيش، وتزعم الثورة رجل يدعى "ابن الجارود" بعد أن أعلن الحجاج عزمه على إنقاص المحاربين من أهل العراق 100 درهم، ولكن الحجاج تمكن من إخماد الفتنة والقضاء على ابن الجارود وأصحابه.
وما كاد الحجاج يقضي على فتنة الخوارج حتى شبت ثورة عارمة دامت ثلاث سنوات (81-83 هـ = 700-702م) زعزعت استقرار الدولة، وكادت تعصف بها، وكان يقودها "عبد الرحمن بن الأشعث" أحد رجالات الحجاج الذي أرسله على رأس حملة جرارة لإخضاع الأجزاء الشرقية من الدولة، وبخاصة سجستان لمحاربة ملكها "زنبيل".
وبعد أن حقق ابن الأشعث عددا من الانتصارات غرّه ذلك، وأعلن العصيان، وخلع طاعة الخليفة، وكان في نفسه عجب وخيلاء واعتداد كريه، وبدلا من أن يكمل المهمة المنوط بها عاد ثائرا على الدولة الأموية مدفوعا بطموحه الشخصي وتطلعه إلى الرئاسة والسلطان.
ووجد في أهل العراق ميلا إلى الثورة والتمرد على الحجاج، فتلاقت الرغبتان في شخصه، وآزره عدد من كبار التابعين انغروا بدعوته، مستحلّين قتال الحجاج بسبب ما نُسب إليه من أعمال وأفعال، وحالف النصر ابن الأشعث في جولاته الأولى مع الحجاج، واضطرب أمر العراق وسقطت البصرة في أيدي الثوار، غير أن الحجاج نجح في أن يسترد أنفاسه، وجاء المدد من دمشق وواصل قتاله ضد ابن الأشعث، ودارت معارك طاحنة حسمها الحجاج لصالحه، وتمكن من سحق عدوه في معركة دير الجماجم سنة (83 هـ = 702م)، والقضاء على فتنته.

________________

الفتوحات الإسلامية:-

تطلع الحجاج بعد أن قطع دابر الفتنة، وأحل الأمن والسلام إلى استئناف حركة الفتوحات الإسلامية التي توقفت بسبب الفتن والثورات التي غلت يد الدولة، وكان يأمل في أن يقوم الجيش الذي بعثه تحت قيادة ابن الأشعث بهذه المهمة، وكان جيشا عظيما أنفق في إعداده وتجهيزه أموالا طائلة حتى أُطلق عليه جيش الطواويس، لكنه نكص على عقبيه وأعلن الثورة، واحتاج الحجاج إلى سنوات ثلاثة حتى أخمد هذه الفتنة العمياء.
ثم عاود الحجاج سياسة الفتح، وأرسل الجيوش المتتابعة، واختار لها القادة الأكفاء، مثل قتيبة بن مسلم الباهلي، الذي ولاه الحجاج خراسان سنة (85هـ = 704م)، وعهد إليه بمواصلة الفتح وحركة الجهاد؛ فأبلى بلاء حسنا، ونجح في فتح العديد من النواحي والممالك والمدن الحصينة، مثل: بلخ، وبيكند، وبخارى، وشومان، وكش، والطالقان، وخوارزم، وكاشان، وفرغانه، والشاس، وكاشغر الواقعة على حدود الصين المتاخمة لإقليم ما وراء النهر وانتشر الإسلام في هذه المناطق وأصبح كثير من مدنها مراكز هامة للحضارة الإسلامية مثل بخارى وسمرقند.
وبعث الحجاج بابن عمه محمد بن القاسم الثقفي لفتح بلاد السند، وكان شابا صغير السن لا يتجاوز العشرين من عمره، ولكنه كان قائدا عظيما موفور القدرة، نجح خلال فترة قصيرة لا تزيد عن خمس سنوات (89-95هـ = 707-713م) في أن يفتح مدن وادي السند، وكتب إلى الحجاج يستأذنه في فتح قنوج أعظم إمارات الهند التي كانت تمتد بين السند والبنغال فأجابه إلى طلبه وشجعه على المضي، وكتب إليه أن "سر فأنت أمير ما افتتحته"، وكتب إلى قتيبة بن مسلم عامله على خراسان يقول له: "أيكما سبق إلى الصين فهو عامل عليها".
وكان الحجاج يتابع سير حملات قادته يوفر لها ما تحتاجه من مؤن وإمدادات، ولم يبخل على قادتها بالنصح والإرشاد؛ حتى حققت هذه النتائج العظيمة ووصلت رايات الإسلام إلى حدود الصين والهند.
إصلاحات الحجاج
وفي الفترة التي قضاها الحجاج في ولايته على العراق قام بجهود إصلاحية عظيمة، ولم تشغله الفترة الأولى من ولايته عن القيام بها، وشملت هذه الإصلاحات النواحي الاجتماعية والصحية والإدارية وغيرها؛ فأمر بعدم النوح على الموتى في البيوت، وبقتل الكلاب الضالة، ومنع التبول أو التغوط في الأماكن العامة، ومنع بيع الخمور، وأمر بإهراق ما يوجد منها، وعندما قدم إلى العراق لم يكن لأنهاره جسور فأمر ببنائها، وأنشأ عدة صهاريج بالقرب من البصرة لتخزين مياه الأمطار وتجميعها لتوفير مياه الشرب لأهل المواسم والقوافل، وكان يأمر بحفر الآبار في المناطق المقطوعة لتوفير مياه الشرب للمسافرين.
ومن أعماله الكبيرة بناء مدينة واسط بين الكوفة والبصرة، واختار لها مكانا مناسبا، وشرع في بنائها سنة (83هـ = 702م)، واستغرق بناؤها ثلاث سنوات، واتخذها مقرا لحكمه.
وكان الحجاج يدقق في اختيار ولاته وعماله، ويختارهم من ذوي القدرة والكفاءة، ويراقب أعمالهم، ويمنع تجاوزاتهم على الناس، وقد أسفرت سياسته الحازمة عن إقرار الأمن الداخلي والضرب على أيدي اللصوص وقطاع الطرق.
ويذكر التاريخ للحجاج أنه ساعد في تعريب الدواوين، وفي الإصلاح النقدي للعملة، وضبط معيارها، وإصلاح حال الزراعة في العراق بحفر الأنهار والقنوات، وإحياء الأرض الزراعية، واهتم بالفلاحين، وأقرضهم، ووفر لهم الحيوانات التي تقوم بمهمة الحرث؛ وذلك ليعينهم على الاستمرار في الزراعة.
نقط المصحف
ومن أجلِّ الأعمال التي تنسب إلى الحجاج اهتمامه بنقط حروف المصحف وإعجامه بوضع علامات الإعراب على كلماته، وذلك بعد أن انتشر التصحيف؛ فقام "نصر بن عاصم" بهذه المهمة العظيمة، ونُسب إليه تجزئة القرآن، ووضع إشارات تدل على نصف القرآن وثلثه وربعه وخمسه، ورغّب في أن يعتمد الناس على قراءة واحدة، وأخذ الناس بقراءة عثمان بن عفان، وترك غيرها من القراءات، وكتب مصاحف عديدة موحدة وبعث بها إلى الأمصار.
الحجاج في التاريخ
اختلف المؤرخون القدماء والمحدثون في شخصية الحجاج بن يوسف بين مدح وذم، وتأييد لسياسته ومعارضة لها، ولكن الحكم عليه دون دراسة عصره المشحون بالفتن والقلاقل ولجوء خصوم الدولة إلى السيف في التعبير عن معارضتهم لسياسته أمر محفوف بالمزالق، ويؤدي إلى نتيجة غير موضوعية بعيدة عن الأمانة والنزاهة.
ولا يختلف أحد في أنه اتبع أسلوبا حازما مبالغا فيه، وأسرف في قتل الخارجين على الدولة، وهو الأمر الذي أدانه عليه أكثر المؤرخين، ولكن هذه السياسة هي التي أدت إلى استقرار الأمن في مناطق الفتن والقلاقل التي عجز الولاة من قبله عن التعامل معها.
ويقف ابن كثير في مقدمة المؤرخين القدماء الذين حاولوا إنصاف الحجاج؛ فيقول: "إن أعظم ما نُقِم على الحجاج وصح من أفعاله سفك الدماء، وكفى به عقوبة عند الله، وقد كان حريصا على الجهاد وفتح البلاد، وكانت فيه سماحة إعطاء المال لأهل القرآن؛ فكان يعطي على القرآن كثيرا، ولما مات لم يترك فيما قيل إلا 300 درهم".
وقد وضعت دراسات تاريخية حديثه عن الحجاج، وبعضها كان أطروحات علمية حاولت إنصاف الحجاج وتقديم صورته الحقيقية التي طمس معالمها وملامحها ركام الروايات التاريخية الكثيرة.. وتوفي الحجاج بمدينة واسط في (21 من رمضان 95هـ = 9 من يونيو 714م(