الأحد، 20 مارس 2011

محاسبة النفس


محاسبة النفس

تعريف المحاسبة:
قال الماوردي في معنى المحاسبة: (أن يتصفّح الإنسان في ليله ما صدر من أفعال نهاره، فإن كان محموداً أمضاه وأتبعه بما شاكله وضاهاه، وإن كان مذموماً استدركه إن أمكن وانتهى عن مثله في المستقبل).
وأما الحارث المحاسبي فقد عرّفها بقوله: (هي التثبّت في جميع الأحوال قبل الفعل والترك من العقد بالضمير، أو الفعل بالجارحة؛ حتى يتبيّن له ما يفعل وما يترك، فإن تبيّن له ما كره الله عز وجل جانبه بعقد ضمير قلبه، وكفّ جوارحه عمّا كرهه الله عز وجل ومَنَع نفسه من الإمساك عن ترك الفرض، وسارع إلى أدائه).
وقال ابن القيم رحمه الله : (هي التمييز بين ما له وما عليه (يقصد العبد) فيستصحب ما له ويؤدي ما عليه؛ لأنه مسافرٌ سَفَرَ من لا يعود). وقال (فمحاسبة النفس هو نظر العبد في حق الله عليه أولا ثم نظره هل قام به كما ينبغي ثانياً) .

أهمية المحاسبة :

للمحاسبة أهمية كبرى تتبين في النقاط التالية :
1- طريق لاستقامة القلوب وتزكية النفوس ؛ فإن زكاتها وطهارتها موقوف على محاسبتها ، فلا تزكو ولا تطهر ولا تصلح ألبتة إلا بمحاسبتها .
2- أنها دليل على صلاح الإنسان وعلى خوفه من الله ؛ فغير الخائف من الله ليس عنده من الدواعي ما يجعله يقف مع نفسه فيحاسبها و يعاتبها على تقصيرها .
3- أنها طريق للتوبة ؛ وذلك لأنه إذا حاسب نفسه أدرك تقصيره في جنب الله ، فقاده هذا إلى التوبة .
4- يترتب على المحاسبة آثار حميدة سيأتي ذكرها .
5 يترتب على ترك المحاسبة آثار سيئة سيأتي ذكرها .

مشروعية المحاسبة :

يدل على محاسبة النفس ما يلي :
1- قول الله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ)) (الحشر:18) .
ففي هذه الآية أمر الله سبحانه وتعالى العبدَ أن ينظر ما قدم ليوم القيامة ، وهل يصلح ما قدمه أن يلقى الله به أو لا يصلح ، ولا شك أن المقصود والهدف من هذا النظر : أن يقوده ذلك إلى كمال الاستعداد ليوم المعاد ، وتقديم ما ينجيه من عذاب الله ، ويبيض وجهه عند الله ؛ وهذه في حقيقتها هي محاسبة النفس .
2- روى أحمد وغيره من حديث شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله )) ومعنى دان نفسه : أي حاسبها .- (عَنْ حَنْظَلَةَ الأُسَيِّدِيِّ قَالَ وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ قَالَ قُلْتُ نَافَقَ حَنْظَلَةُ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ مَا تَقُولُ قَالَ قُلْتُ نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَافَسْنَا الأَزْوَاجَ وَالأَوْلادَ وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَا كَثِيرًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (( وَمَا ذَاكَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الأزْوَاجَ وَالأَوْلادَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَا كَثِيرًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً ثَلاثَ مَرَّاتٍ )) ، فهنا حنظلة حاسب نفسه على ما ظنه تقصيراً .
4- ذكر الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال ( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا ؛ فإنه أهون عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم ، وتزينوا للعرض الأكبر يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ) .أسباب فقدها :
لماذا لا نحاسب أنفسنا أو لماذا نقصر في محاسبتنا لأنفسنا ؟ .

هناك أمور تمنع أو تقلل من محاسبة النفس من أهمها :

1- المعاصي : سواء كان ذلك بفعل الكبائر أو بالإصرار على الصغائر ؛ حيث إن هذه المعاصي تسبب الران على القلب ، فإذا لم يحاسب العبد نفسه ويتوب تراكم هذه الران على قلبه ، وبقدر تراكم هذا الران تقل محاسبته لنفسه حتى يصبح قلبه لا ينكر منكراً ولا يعرف معروفاً .
2- التوسع في المباحات : لأن هذا التوسع يرغبه في الدنيا ويقلل تفكيره في الآخرة ، وإذا لم ينظر إلى آخرته ، أو قل نظره إليها قلت محاسبته لنفسه .
3- عدم استشعار عظمة الله وما يجب له من العبودية والخضوع والذل ؛ فلو استشعرنا ذلك وعرفنا لله حقه لأكثرنا من محاسبتنا لأنفسنا ، ولقارنا بين نعم الله علينا وبين معاصينا ، ولقارنا بين حقه علينا وبين ما قدمناه لآخرتنا .
4- تزكية النفس وحسن الظن بها: لأن حسن الظن بالنفس يمنع من التعرف على عيوبها وإذا لم تكتشف الداء كيف ستعالجه .
5- عدم تذكر الآخرة : والانشغال بالدنيا ولو وضعنا الآخرة نصب أعيننا لما أهملنا محاسبة أنفسنا

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق