الأحد، 10 يناير 2010

ريمة.. جبال تعانق الشمس وتسامر القمر

رحلة مجانية فوق السحاب
ليست من جزر شرق آسيا أو سهول سيبيريا أو جبال أوروبا أو أدغال أفريقيا أو غابات الأمريكيتين، أنها جنة من جنان أرض السعيدة جمعت كل ما سبق في مكان واحد، إنها تعانق السحاب وتقبل ثغر القمر، جبال شاهقة ووديان واسعة وسهول وغابات ذات أشجار كثيفة ترقد بين أحضانها كما يطرح الطفل الرضيع بين أحضان أمه.
إنها محافظة ريمة إحدى المحافظات اليمنية، أنشئت في العام 2004، وتبعد عن العاصمة صنعاء بحوالي (200) كيلو متر غرباً، ويشكل سكانها 2 % من إجمالي سكان الجمهورية، وتقسم إلى ست مديريات، هي الجبين عاصمة المحافظة، وكسمة، والسلفية، والجعفرية، ومزهر، وبلاد الطعام.


والطريق إلى ريمة متعدد المسالك والدروب، وقد تحتار إذا ما كنت ممن يرغب في اكتشاف هذه البلاد الجميلة من اليمن، لكن الحيرة لن تطول.. فكل الطرق ستؤدي إلى ريمة حتماً، لذا فلن تتردد في اختيار الطريق إلى قمم ريمة التي يبلغ ارتفاعها ما بين 2400 – 3000 متر فوق سطح البحر، لذا فعند صعودك إلى السيارة التي تقلك من مدينة المنصورية من محافظة الحديدة إلى ريمة مروراً بمدينة الرباط ستفاجئك الطريق بكثرة التوائها بين الجبال المكسوة بالخضرة وكأنها وشاح يلتوي على ثوب أخضر مرصع بأحلى الحلل والدرر، وعندما تنظر حولك ستجد مدرجات البن بأنواعه ترحب بك من على جنبات الطريق وكأنها اصطفت للترحيب بالزائر لهذه المنطقة، ومع ارتفاعك صعوداً نحو قمة الجبل تجد نفسك بين السحب والضباب الكثيف وكأنك في رحلة إلى الفضاء الخارجي، ولكن سرعان ما تتبدد هذه السحب وتجد نفسك تقترب من القمر، إنها فعلاً رحلة مجانية إلى سطح القمر.

الطبيعة والمناخ
تتميز ريمة بمناخ بارد في فصل الشتاء ومعتدل في فصل الصيف، إلا أن تضاريسها تتعقد بكثرة الالتواءات وشدة الانحدارات، وقد قسمت إلى ثلاثة أقسام متميزة، وهي: القسم الغربي، ويشمل مديرية الجعفرية، حيث يوجد وادي اللواء ومحمية ريمة الطبيعية، وغربي مديريتي الجبين وبلاد الطعام، وهي جبال الحواز المتراوح ارتفاعاتها بين (1500-1800) متر عن مستوى سطح البحر، وهي كثيرة الصخور قليلة السهول.
القسم الأوسط: وهي سلسلة الجبال العالية التي يتراوح ارتفاعها ما بين (1900-2950) متراً عن مستوى سطح البحر، وهي شديدة الانحدار متنوعة المحاصيل، وتشمل مديرية كسمة ووسط مديريتي الجبين وبلاد الطعام.
القسم الشرقي: وتشمل مديرية السلفية وشرقي مديريتي الجبين وبلاد الطعام، وهي جبال متباعدة وقليلة الارتفاع تتخللها الوديان الواسعة والسهول الزراعية الخصبة، ويعتبر وادي رماع من أشهر أودية ريمة، ويصب بأراضي الزرانيق في تهامة، ثم يأتي بعده وادي كلابة ويصب بأراضي المنصورية في تهامة، ثم وادي الحمام المعروف بوادي جاحف. ومعظم أودية ريمة الشمالية تصب في باب كحلان إلى تهامة ماراً بالمراوعة ومن ثم البحر الأحمر، أما أوديتها الجنوبية فتصب في وادي رماع.

طبيعة خلابة
ريمة منطقة تكسو الخضرة جبالها طوال العام، جبال وقمم تعانق السحاب، وهي مكسوة ببساط أخضر إلهي الصنع يعجز البشر عن صنع مثله مهما فعلوا، إنها فعلاً رائعة من روائع الفن الإلهي المزين للأرض، سهولها كثيرة وغاباتها تملؤها الأشجار ذات الثمر الطيب، وتمتاز بزراعتها المتنوعة والتي من أهمها البن الذي يزرع بكثافة في الوديان والمدرجات الجبلية، وكذا الفواكه كالموز وعنب الفلفل والمانجو والحمضيات، ناهيك عن الذرة بأنواعها.
قمم عالية خضراء ومرتفعات قد تلمحها من بعيد ليخطر في بالك أنها متوسطة الارتفاع وسهلة الارتقاء، ورويداً رويداً تزداد الطريق وعورة وتتبدد الراحة شيئاً فشيئاً، وتزداد الجبال ارتفاعاً، لكن الصورة من أعلى الجبال تزداد جمالاً واتساعاً، ورغم وعورة الطريق وصعوبة منحدراتها إلا أن جمال الأرض حولك ينسيك ذلك ويمسح التعب والإجهاد وكل معانيهما، الخضرة تكسو كل شيء من تلك الجبال، وترى بين الحين والآخر أودية ضيقة ومنحدرات تكسوها الغابات الخضراء التي تزخر بالحياة البرية من طيور وحيوانات، وتقف في أعلى قمة وترى الضباب والسحب أسفل منك، إنها حقاً قمم فوق السحاب.

مقومات سياحية
تمتلك محافظة ريمة مقومات سياحية طبيعية لا مثيل لها، ومنها الوديان والجبال الشاهقة الخضراء، ناهيك عن القلاع والحصون والمدن الأثرية التي لا زالت أطلالها إلى الآن شامخة وصامدة في وجه عوامل التعرية وتقلباتها، آثار حميرية وسبئية، بل آثار من حقب زمنية متباعدة ومختلفة بارزة على سطح الأرض يعود تاريخها إلى آلاف السنين قبل الميلاد. كما يوجد في ريمة أكثر من 75 موقعاً تاريخياً مابين حصون وقلاع اثرية قديمة.. ويوجد العديد من الوديان التي تجري طوال العام وريمة تشتهر بالمدرجات الخضراء المتناسقة نظراً لمناخها الزراعي المتنوع والنادر.
وريمة تعتبر أحد المسارح التاريخية التي جرت عليها أحداث تاريخية ابتداء من العصر الحميري وخاصة بعد الميلاد حتى نهاية التواجد العثماني على اليمن فهناك الكثير من المواقع الأثرية التي لا تزال حبلى بالمعلومات التاريخية والأثرية فهذا الجزء الواقع في الجهة الجنوبية من بلادنا عاش ردحاً من الزمان طي النسيان لا يعرف عن الدور الذي لعبه في مجريات الأحداث التاريخية وتميزه في سجل الدويلات اليمنية القديمة والإسلامية والمواقع الأثرية الهامة التي لا تزال بعض بناياتها قائمة شاهدة على عظمة التاريخ اليمني الذي سيطر على تجارة التوابل والبخور لإرسالها إلى معابد العالم.
وكما أن هناك إمكانية لأنواع من السياحة كتسلق الجبال وهناك المواقع الأثرية والقلاع والحصون القديمة والمساجد التي تحتوي على نقوش وزخرفة إسلامية من الحجر والخشب يندر وجود مثيل لها وكلها تعود إلى فترة ما قبل العصر الإسلامي وفترة العصر الإسلامي وما بعده، كذلك قرى أثرية متكاملة وسدود وقنوات ري تحت الأرض لازالت موجودة بالإضافة إلى نقوش بالخط المسند ونقوش لفترات مختلفة.
كما تتوفر فيها الشلالات والجداول والأودية التي تجري طوال العام، كما أن في ريمة ثاني أعلى قمة في اليمن بعد جبل النبي شعيب وهي قمة جبل «برد» في مديرية كسمة عندما تقف عليها ترى السحاب في الأسفل أنها من فوق السحاب وريمة سقف تهامة وعاشقة السحاب.

أهم المعالم التاريخية والأثرية في ريمة
موقع جبل ظفار: يلاحظ من تسميته هذه بأنه يوجد علاقة بين عاصمة ظفار الحميرية الواقعة في يريم فلو استخدمنا بعض الحفريات في هذا المكان والأماكن الأخرى السالفة الذكر لوجدنا علاقة أكيدة بالدولة الحميرية وامتداد سيطرتها إلى المنطقة الغربية يحتوي هذا الموقع على الأساسات المبنية من الأحجار المنقوشة والمدافن الصخرية والقباب ذات الأشكال الاسطوانية.

موقع قرية العدن
وتقع في مديرية السلفية وهي تابعة لبني الواحدي، والقرية شيدت على موقع قديم يرجع إلى فترة ما قبل الإسلام وبها ألواح حجرية عليها نقوش بالخط المسند وعثر فيها على تمثال من البرونز ويحتفظ به حالياً في المتحف الوطني بصنعاء وقنوات ري يعود تاريخ إنشائها إلى عصور الحضارة اليمنية القديمة وهي قنوات بنيت من الحجر تحت الأرض بناء محكماً ما يزال أبناء المنطقة يستخدمونها حتى اليوم في سقي الحقول، وتوجد في ريمة أعداد كبيرة من الحصون القديمة بعضها يعود إلى عصر ما قبل الإسلام مثل حصن النمر، وحصن دنوة وحصن هكر وحصون أخرى في مديرية السلفية.. قلعة الدومر، حصن بضعان، قلعة مسلمة في بني نفيع قلعة النوبة في عزلة النوبة ، حصن عزان، وقد بلغ عدد الحصون في منطقة ريمه في القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلاد حوالي خمسين حصناً.

أهم المواقع الأثرية:-
جبل الشرف ويقع في مديرية السلفية حيث لايخلو الجبل من المنشآت الأثرية والتي يرجع تاريخها إلى فترة العصر الإسلامي كما توجد عدد من البرك المنحوتة في الصخر..
جبل هكر:ويقع في منطقة الجبوب ويحوي منشآت عمرانية مهجورة تعود إلى فترة العصر الإسلامي حيث يشرف هذا الجبل على وادي رماع ويوجد طريق من الجهة الغربية في الجبل موصلة إلى قمة الجبل وهي مرصوفة بأحجار مهذبة نسبياً.
حصن جبل الجون، حيث يطل هذا الموقع على وادي ضحيان وهو حصن عسكري من الفترة التركية تم تشييده بأحجار نارية وهذا الحصن يوجد بداخله منشآت حربية وسكنية مثل النوب الواقعة على أطراف الحصن من أجل حماية هذا الموقع وهي مستديرة الشكل بنيت بأحجار مهذبة وتوجد عدة برك في الحصن، وفي الناحية الجنوبية من الحصن توجد عدة منشآت حربية يتم الوصول إليها من خلال طريق ضيق ممتد من الجهة الشمالية إلى الجهة الجنوبية،أما الناحية الغربية فتحتضن البوابة الرئيسية للحصن المبني بأحجار مصقولة ولكنها مدمرة والملاحظ وجود عدة منشآت واقعة تحت الحصن من الناحية الجنوبية والغربية حيث تكثر فيها الأساسات المبنية بأحجار مهذبة..
جبل ظلملم: يقع في الجهة الغربية من كسمة والجبل عبارة عن حصن استخدم خلال الحملة التركية أو الخلافة العثمانية الأولى على اليمن ولكن الشيء الملفت والجميل هو الطريق الموصل إلى قمة الحصن فالجبل يحتوي على طريقين معبدين ومرصوفين بأحجار جميلة ومهذبة من جهتين مختلفتين حيث تلتقي في نقطة معينة عند بوابة الحصن الرئيسية..
أهم المساجد التاريخية - مسجد الجورة: يقع في الجبين يتزين سقف وجدران المسجد بنقوش كتابية بالخط الكوفي وزخرفة إسلامية ويرجع تاريخه إلى العصر الفاطمي. - مسجد العدن: يرجع تاريخ بنائه إلى سنة852هـ.. أي عصر الدولة الرسولية ويغطي سقف المسجد بأشكال بديعة وزخارف ملونة ونقوش ذهبية. - مسجد الأعور في بني الضبيبي: يقوم على عدد من الأعمدة المستطيلة المنحوتة بدقة والزخرفة الإسلامية فيه من أجمل لوحات الفن الإسلامي. ويعتبر محراب هذا المسجد من المحاريب النادرة في العالم الإسلامي صنع هذا المحراب من الخشب وإطار مستطيل وفتحة مجوفة على عمودين والنقوش الموجودة فيه تدل على انه بني في القرن السادس الهجري. وجامع الضلاع (السبعة) ويقع في مديرية السلفية ويتميز بنقوش وأعمدة من الخشب ويعود تاريخ بنائه إلى القرن السادس الهجري.
وفي تواجدنا في محافظة ريمه زرنا مكتب السياحة بالمحافظة حيث التقينا مديره العام الأستاذ/ مهدي البكالي، وتحدث إلينا حول السياحة بالمحافظة، قائلاً: تعد السياحة صناعة مرموقة وركيزة هامة من ركائز الاقتصاد الوطني ومورداً هاماً من الموارد التنموية لأي بلد في العالم، مضيفاً: محافظة ريمة تعتبر من أهم المحافظات اليمنية المشتهرة بجمال طبيعتها الخلابة ومناظرها الجميلة، وتمتلك مقومات سياحية فريدة ومتنوعة، ولذلك نحن نسعى باهتمام لتنمية هذا القطاع الحيوي الهام، وقمنا بإعداد الخطط والبرامج السياحية، ونعمل على تنفيذها على المدى القصير والمتوسط والطويل رغم الصعوبات والمعوقات التي يواجهها القطاع السياحي في المحافظة، بالإضافة إلى شحة الإمكانيات المادية والفنية والإدارية بالمكتب.. وقال البكالي: قدمنا إلى المجلس المحلي العديد من الخطط لتنمية السياحة وتم مناقشتها معه من أجل اعتمادها وإدخالها ضمن موازنة العام 2009، إلا أن المجلس لم يعتمد أي مبالغ مالية لأي خطط أو مسوحات للمناطق السياحية أو الدراسات والبحوث التي قمنا بإعدادها وأخرى في طور الإعداد من أجل تأسيس قاعدة بيانات للمناطق السياحية بالمحافظة.
وأشار مدير مكتب السياحة إلى وجود ثلاثة عشر موقعاً سياحياً استثمارياً بالمحافظة، وهذه المواقع تم مسحها كمرحلة أولى، بينما يجري حالياً تنفيذ الآلية الخاصة بجمع المعلومات وتحديد مسح للمواقع بشكل دقيق ليتم إقرار تلك المواقع من المجلس المحلي بالمحافظة ورفعه إلى الوزارة..
عقد بين الوزارة والمحافظة لإعلان محمية طبيعية
وأوضح البكالي بأن مكتب السياحة أنهى الدراسات والتصاميم الخاصة بمشروع المحمية السياحية والطبيعية في وادي اللواء مديرية الجعفرية، تمهيداً لتنفيذ المشروع.. منوهاً إلى أن الافتتاح راجع إلى مدى التزام الجهات المعنية بتوفير الاعتمادات اللازمة لتمويل المشروع وتنفيذه وفق المدة الزمنية المحددة في عقد الاتفاق المبرم بين وزارة السياحة والمجلس المحلي بالمحافظة، لكنه توقع أن يتم التنفيذ خلال 2008- 2009.

الصعوبات والمعوقات
وحول الصعوبات والمعوقات التي يواجهها قطاع السياحة بمحافظة ريمة، يؤكد البكالي الافتقار في مكتب السياحة إلى الكادر المؤهل، وعدم وجود الإمكانيات المتاحة من أثاث وأجهزة كمبيوتر وغيرها، بالإضافة إلى المعاناة من قلة الإمكانيات المالية، مشيراً إلى أن المحافظة لم ترصد أي مبالغ مالية للدراسات والبحوث والمسوحات السياحية.

خطط مستقبلية
وفي حديثه لـ"الغد" تطرق البكالي إلى الحديث عن أولويات الخطط المستقبلية لمكتب السياحة، وفي مقدمتها تبني إنشاء المحميات الطبيعية في المواقع التي يتوفر فيها إمكانيات تطوير السياحة البيئية (الريفية).. مشيراً إلى وجود العديد من المناطق التي تتوفر فيها إمكانيات وموارد طبيعية تساعد على تبني إنشاء المحميات الطبيعية، مضيفاً: نقوم حالياً بجمع المعلومات الأساسية عن مواقع داخلة ضمن خطتنا المستقبلية لإنشاء المحميات الطبيعية، ومنها (وادي مزهر- مديرية مزهر، ووادي الليل – مديرية الجبين)، وسنقوم بإعداد الدراسات اللازمة لها وفقاً للإمكانيات المتاحة لنا مستقبلاً.

ختاماً
فإن محافظة ريمة درة مكنونة ومنطقة سياحية لا زالت عذراء لم تكتشف بعد، فهي تحمل طبيعة خلابة من صنع الرحمن ليس لبني البشر فيها أي لمسة، كما أنها تحمل في باطنها مدناً وقصوراً وحصوناً وقلاعاً شاهدة على تاريخها ونضالها على مدى قرون، فهي أعجوبة لم تعرف، يقع على عاتق السلطة المحلية بالمحافظة الالتفات إلى دعم المحافظة سياحياً وتنموياً.

هناك تعليق واحد:

  1. ينقص صور لبعض الجبال والمناظر الطبيعية الخلابة

    ردحذف